إن فكرة رفع الدعم عن السلع بصورة كاملة في ظروف السودان الحالية تعتبر فكرة لم يتم اختيار الوقت الصحيح لها ولا الكيفية الصحيحة لتطبيقها، ولم ترتبط بالوفرة وبزيادة الإنتاجية وانخفاض تكلفة الإنتاج فيكون الرفع قد أتى بشكل تلقائي دون زيادة في الأسعار.. إن رفع الدعم من المهم أن يكون نتيجة لزيادة الإنتاج والإنتاجية وبالتالي انخفاض تكلفة الإنتاج فينتفي الدعم تلقائياً دون أن يتأثر المواطن بذلك ودون تأثير على الأسعار فيكون الوضع لصالح المواطن ولصالح موازنة الدولة على السواء. إن معاناة المواطنين اليوم في تزايد مستمر بفعل تطبيق فكرة رفع الدعم بصورة غير مناسبة، وبفعل زيادة الضرائب، وكلما قلنا إن الأزمة قد وصلت نهايتها وأنه قد حان موعد التوقف عن الاستمرار في «تأزيم» الوضع المعيشي للشعب.. وأن حلقات الأزمة قد استحكمت وحان وقت الانفراج قليلاً «ضاقت تاني»!! ولو أن الأزمة الراهنة جاءت بفعل عوامل السوق والعرض والطلب، لطلبنا من «الحكومة» التدخل من أجل إيقاف التصاعد في الأسعار والتزايد في حجم الأزمة التي يعيشها المواطن.. ولكن المشكلة هي أن «من نشتكي إليه» وهو «ولي الأمر» هو الفاعل للأزمة وبإصرار يتجاوز حد المعقول.. ولا استماع مطلقاً لأي صوت نابع من الشعب أو من مواطن حادب أو حتى من بعض أهل الحكومة أنفسهم.. في قناعتي أن القطاع الاقتصادي قد نظر إلى الوضع «بعين واحدة» وأغمض الأخرى.. نظر إليه بعين مفتوحة فقط على مسألة «سد العجز في ميزانية الحكومة» وأغمض العين التي كان من المفترض أن تكون مفتوحة على الوضع المعيشي للشعب ومتطلبات التنمية ومتطلبات «حتى» تنفيذ برنامج الحكومة الثلاثي نفسه والذي افترضت فيه الحكومة أنه سيقود إلى معالجة الأوضاع الاقتصادية وامتصاص آثار خروج النفط من الموازنة خلال ثلاث سنوات. النظر بعين واحدة أفقد المعالجات التوازن فجاءت وكأنها «ضربة قاسية» على رأس الشعب.. وضربة قاسية على الجهاز المصرفي الذي يفترض فيه أنه «اللاعبالأساسي في تمويل خطط البرنامج الثلاثي.. وضربة على التنمية الصناعية.. فبالنسبة للشعب تفاقمت الأزمة المعيشية التي يعاني منها بصورة فوق الاحتمال.. وبالنسبة للبنوك تضاءلت رساميلها إلى النصف بفعل الارتفاع في سعر الدولار وتناقصت أرباحها بفعل رفع ضريبة أرباح الأعمال عليها من «15%» إلى «30%» وانخفضت قدرتها على تمويل الصادر إلى النصف، وكلنا يعلم أهمية الصادر وأهمية دعم البنوك للصادرات كجزء مهم من البرنامج الثلاثي للحكومة.. وبالنسبة للتنمية الصناعية فقد كانت الصناعات تجأر بالشكوى من ارتفاع أسعار الإمداد الكهربائي في السودان بالمقارنة مع كل الدول المجاورة ودول الكوميسا والسوق العربية المشتركة، فإذا بالأزمة تتفاقم برفع أسعار الإمداد الكهربائي بصورة غير معقولة وغير منطقية.. ومن هنا فإن وقفة عميقة مطلوبة من القطاع الاقتصادي لإعادة النظر في الكيفية التي ينظر بها للأمور، وإلا فستأتي ساعة تكون فيها «اليقظة» من «الغيبوبة» قد جاءت بطرقة مميتة على الرأس وليس بلطافة «الكولونيا».