(المشكلة) التي تواجه شعب السودان اليوم هي في (الحل).. الحل المطروح لعجز الموازنة العامة.. إذ جاءت ضمن حزمة الحلول بعض الجوانب الإيجابية لمصلحة الاقتصاد الوطني تتمثل في تقليص الوظائف وتخفيض المخصصات وإيقاف المباني الحكومية وإيقاف التجنيب.. إلخ، غير أن الجوانب الأخرى التي تضمنتها حزمة الحلول المتمثلة في اللجوء ل (جيوب المواطنين) عبر زيادة أسعار المحروقات وسلع أخرى مهمة وزيادة ضريبة القيمة المضافة وضريبة التنمية وضريبة أرباح الأعمال على المصارف.. إلخ فهي (مشكلة) عظمى وتعقيد وتعميق للأزمة يجعل من كل الإجراءات الأخرى الإيجابية وكأنها في نظر الشعب لم تكن، طالما أنها لم تجنبه ما كان يخشاه من تحميله بصورة مباشرة عجز الموازنة. فالإجراءات الأخرى التي اعتبرناها إيجابية إذا أضيفت إليها عملية (الاستدانة من الجهاز المصرفي)، وهذا وقتها، كان من الممكن أن تجد ارتياحاً كبيراً لدى الشعب تكسب القائمين بالشأن الاقتصادي بالبلاد تأييداً لمساعيهم للمعالجة، غير أن خطوة اللجوء إلى جيوب المواطنين ورفع الأسعار لما هو أساسي بنسبة تفوق الخمسين بالمائة فتلك هي معضلة المعضلات والتي تحوِّل كلمة (الإصلاح) إلى مصطلح في غير مكانه. إن أية سياسة اقتصادية إذا لم تنظر للأمور نظرة كلية، واكتفت بالنظر للمشكلة وآفاق الحلول من جانب واحد فستجد نفسها في مأزق، وهذا ما حدث في الحزمة المطروحة لمعالجة عجز الموازنة، إذ أخذت في الاعتبار مسألة كيف (يتم جمع المال) لسد عجز الموازنة ولجأت لأسهل الطرق، وأهملت تماماً الجوانب الأخرى المرتبطة بالعملية، أهملت الوضع المعيشي المتدهور للأسرة السودانية وزادت الطين بلة، وأهملت بنود البرنامج الثلاثي القائمة على دعم الإنتاج والإنتاجية، إذ أن بعض تلك (المعالجات المطروحة) تؤثر سلباً على الإنتاج، نظرت للأمور بعين واحدة فقط فجاءت (فوق الطاقة) وجاءت (غير معقولة) و(غير منطقية)، وتزامن معها إصرار غير عادٍ على إهمال رأي الشعب، وبذلك وضعت المواطن على (حافة) خطيرة وحادة، ولم تترك له أي منفذ لمجابهة أوضاع معيشية ظلت تتدهور بخطوات سريعة في الفترة الأخيرة. نواب البرلمان لم يكونوا كما كان يتوقعهم الشعب، إذ سمحوا بتمرير كل ما يريده القطاع الاقتصادي كما هو وتركوا المواطن في حيرة من أمره.. في حين أنهم في البداية أعطوا المواطن انطباعاً بأنهم سيكونون (سدّاً) في وجه زيادة المحروقات وأسعار السلع الأخرى، ولكنهم لم يفوا بما وعدوا به.. و(ربنا يستر)!!.