إنطلاق بعض الاحتجاجات والمغاضبات من بعض المساجد في وجه الحكومة، كانت إلتفاتة من المعارضة إلى مدى أهمية وتأثير المسجد وإنعكاساته على المشهد السياسي، رغم أن مصلين بمساجد كثيرة جداً، وأئمة ودعاة كانوا ضد خروج البعض مع أنهم في ذات الوقت وجهوا إنتقادات مباشرة لسياسات الحكومة فيما يلي المسألة الإقتصادية .. وظلت محاولات المعارضة خجولة لأجل إستغلال المساجد ضد الحكومة في محاولة لضرب معقل المؤتمر الوطني الذي يسوح شبابه في المساجد، بل أن الحزب الحاكم سخر وانتقد في ذات الوقت محاولات المعارضة إستغلال المساجد. الأولى جاءت على لسان نائب رئيس المؤتمر الوطني د. نافع علي نافع في حديث فيما معناه عدم وجود علاقة للمعارضة بالمساجد حتى تحاول الإنطلاق منها، بينما جاء الانتقاد على لسان الناطق باسم الوطني بروفيسور بدر الدين إبراهيم الذي أشار إلى أن بالخرطوم ما يزيد عن«5300» مسجد، وأن خروج المحتجين من مسجد واحد أو اثنين لا يمكن أن يعبِّر عن ملايين المصلين بالعاصمة. بالمقابل هناك صورة أخرى للمساجد مغايرة تماماً للصورة الأولى، حيث يمثل بعض أئمة المساجد مراكز قوى ونفوذ وتؤثر أحاديثهم بشكل كبير على الشأن السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر، حتى باتت خطبة الجمعة محل إهتمام من الصحف السيارة، ومادة طازجة تزين الصفحات الأولى لصحافة الخرطوم .. وقد أثيرت من داخل المساجد العديد من القضايا منها إدلاء إمام وخطيب مسجد الجريف محمد عبد الكريم القيادي البارز بالرابطة الشرعية للإئمة والدعاة، بدلوه في عدد من القضايا السياسية وتداخلها بالمسائل الدينية، منها مخاشنته لزعيمي المؤتمر الشعبي وحزب الأمة حسن الترابي والصادق المهدي، بشأن فتاوى صدرت من الأخيرين وتكفيره للحزب الشيوعي. وقال صراحة «إنهم ملاحدة وكفرة « حتى باتت أحزاب المعارضة تخشى الدخول في سجال مع أئمة المساجد. وقد نالت الحكومة حظها من سخط أئمة المساجد حيال ما تنتهجه من سياسات وما تصدره من قرارات، خاصة فيما يلي العلاقة مع دولة الجنوب الوليدة، حتى أن أشهر إتفاق تم التوصل إليه بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، وهو ماعرف سياسياً باتفاق (نافع وعقار) - الذي أبرم العام الماضي - تم إجهاضه من داخل المسجد، حيث عاد رئيس الجمهورية من رحلة خارجية فجر الجمعة وأدى صلاة الجمعة بمسجد النور الشهير بضاحية كافوري بالخرطوم بحري، وأطلق رصاصة الرحمة على الإتفاق المذكور. ولعل إهتمام الرأي العام بأحاديث عدد من أئمة المساجد كان لذلك الأمر تأثيره بشكل كبير في نفوذ أئمة بعض المساجد مثل د. كمال رزق خطيب المسجد الكبير، ود. عبد الحي يوسف إمام وخطيب مسجد خاتم المرسلين بجبرة، ومحمد عبد الكريم، وعبد الجليل النذير الكاروري خطيب مسجد الشهيد بالخرطوم - وإن كان الأخير أكثر مرونة إن لم يكن يساند خط الحكومة - لكن إصطباغ كثير من خطبهم بالشأن السياسي جعل لأحاديثهم أثراً بالغاً، بل يمضي البعض في إتجاه أن حديثهم بات يحظى باعتبار عند الحكومة، وأنها تضع حديثهم موضع إعتبار حتى تكاد تأخذ به في بعض الأحايين. واستدل البعض بتطمين الرئيس البشير لهم بإلغائه لإتفاق (نافع- عقار) من داخل مسجد رغم أن حزمة من العوامل دفعت الرئيس البشير لإلغاء الإتفاق الذي كان في نهاية يونيو العام الماضي. تمدد تيار المساجد وتشكيله لرأي عام جوبه بانتقادات من البعض، ويرى كثيرون أن يلتفت أئمة المساجد لتبصير الناس بأمور الدين، وترك الشأن السياسي لأهلّه رغم أن أئمة المساجد لا يفرضون آراءهم، بل يطلقونها ويمضون في حال سبيلهم. وعلا صوت تلك الفئة عقب تحذيرات أئمة المساجد من التفاوض مع قطاع الشمال، بل وصلت تحريم التفاوض. وقد رفض الشيخ محمد عبد الكريم محاولة المزايدة على أئمة المساجد لإيمانه أن المسجد من الأوفق أن تناقش فيه كل مايهم شوون المسلمين، واستدل في حديث سابق له ل«الإنتباهة» بأهمية المسجد في عهد النبي الكريم، وكيف كانت تدار منه شؤون المسلمين. ومهما يكن من أمر فان الحكومة تنظر وبحذر للمساجد، سيما وأن شعارها تطبيق الشريعة الإسلامية، والذي تقوى آليات تطبيقها من داخل المساجد، التي باتت مكمن خطورة وإطمئنان في ذات الوقت للحكومة والمعارضة معاً.