بيان سوزان رايس المندوب الدائم للولايات المتحدةالأمريكية لدى الأممالمتحدة أمس الأول الذي حوى استبعاد بلادها توصل وفدي السودان وجنوب السودان في تفاوضهما بأديس أبابا إلى اتفاق ينهي حالة الخلاف والشد والجذب والتوترات.. بيان يثير الشك والريبة وبل يؤكد ما ظللنا نقوله، وهو أن هذه المفاوضات لن تقود لسلام مستدام، ولن تحقق استقراراً مطلوباً ينشده البلدان.. لسبب بسيط جداً، هو أن واشنطون وصويحاباتها من الدول الغربية، لا تريد للسلام والاستقرار أن يترسخا في هذه المنطقة من العالم حتى لا ينعم السودان وشعبه بالأمن والطمأنينة ويتفرغ للنهضة والتنمية. وذهبت رايس وهي العقل المدبر للقرار الأممي رقم «2046»، إلى القول بما يشبه التأكيد إن المهلة المحددة بالثاني من أغسطس ستنقضي دون أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق شامل حول القضايا العالقة. ولم يأتِ حديثها في إطار التحليل لمجريات التفاوض وتطوراته اليومية وتحولاته الدراماتيكية الجارية في العاصمة الإثيوبية، إنما هو حديث مقصود في ذاته، ليس بغرض حث الطرفين على الإسراع إلى الوصول لنقاط اتفاق، إنما هو توجيه مبطن لطرف دولة الجنوب بعدم إبرام أية اتفاقية وكسب الوقت حتى يكون هناك مبرر لتحميل الخرطوم وزر انتهاء المهلة الدولية دون إحراز أية تقدم في هذه المفاوضات، واقتصار أية عقوبات محتملة في فترة لاحقة على الخرطوم وحدها. واستبعاد السيدة رايس نجاح هذه الجولة كما جاء في حديثها، يضع في المقدمة مباشرة استخدام العصا وإشهار سيف العقوبات في وجه الطرف الذي ظل المجتمع الدولي يحمِّله كل نقيصة في هذا الصدد. ولو كان حديث رايس تحليلاً مبنياً على تجليات الصورة الماثلة أمامنا لهذه الجولة من المفاوضات، لقنا إنها أخطأت التقدير أو أصابت الهدف، فرئيس اللجنة الإفريقية رفيعة المستوى ثابو مبيكي متفائل للغاية بقرب التوصل لاتفاق، بل ذهب أكثر من ذلك عندما هيأ كل الظروف وقدم دعوة باسم مجلس السلم والأمن الإفريقي للرئيسين البشير وسلفا كير للمشاركة في قمة طارئة في أديس أبابا لبحث مستجدات التفاوض ورفع النقاط المختلف حولها لهما وتقديم تنازلات بشأنها حتى يتم التوصل لاتفاق اللحظات الأخيرة قبل نهاية المهلة التي تنتهي غداً الخميس. لكن القمة لم تعقد كما هو مقرر لها أمس بسبب اعتذار البشير الذي سيكون في العاصمة القطرية الدوحة كما هو مقرر في مواعيد سابقة، وسيطير السيد ثابو مبيكي فجر الخميس إلى نيويورك للمشاركة في جلسة مجلس الأمن الدولي، وربما يطلب من المجلس بعد تقديم تقريره الضافي مهلة لوفدي السودان وجنوب السودان حتى يتمكنا من تحقيق التقدم المطلوب من كليهما في هذه الجولة!! فلماذا امتطت سوزان رايس جواد التشاؤم وحكمت على هذه الجولة بالنهاية وعدم النجاح والإخفاق؟! هذا السؤال إجابته لدى اللاهثين خلف رهو وسراب هذه المفاوضات، ظناً منهم أن الجنوب راغب في السلام ويسعى من أجله.. فكيف يمكن لحكومة جنوب السودان التي تراوغ في المفاوضات أن تبرم اتفاقاً لم يقل لها سادتها إنه قد حان ميقاته، ومجلس الأمن الدولي والأطراف التي تسيطر عليه خاصة سوزان رايس كانوا يعلمون مسبقاً قبل صدور القرار بشكله الرسمي، أن المهلة الممنوحة للطرفين غير كافية، وأنه لن يتم التوصل لاتفاق قبل الثاني من أغسطس، وحددوا هذا الميقات بدقة وهم يعرفون ما سيكون، لتكون هناك مبررات وفرصة سانحة لمزيدٍ من العقوبات الظالمة على البلاد وأهلها. فهل علم دعاة التفاوض والأقلام التي تؤيدهم هنا في الخرطوم أن العبث الذي يجري أمامهم لن يؤدي لنتيجة، لأن حكومة دولة الجنوب لا تملك إرادة سياسية لإبرام أي اتفاق، خاصة أن الأسياد في واشنطون وغيرها يرون أن الظروف لم تنضج حتى اللحظة بما يستوجب هذا الاتفاق!!