تدور في الذهن تساؤلات عدة، ولعلها تدور في ذهن الكثيرين، ما المصير؟ كيف المواجهة وما هي الوسيلة، أكتب هذا وأنا أطالع ما يُكتب، وأرى أماني نظام حكم أوشك نبضه على التوقف، وأرى كذلك معارضة ضمت في ثناياها الكسيحة والنطيحة والمتردية وما أكل السبع!! كلا الطرفين أحدهما يتشبث بكرسي الحكم والآخر يريد انتزاعه منه، وفي خضم هذا الصراع تظهر صورة محزنة، فالنظام يريد الاستمرار حاكمًا رغم عدم قدرته على الاستمرار والوجود، والمعارضةرغم رغبتها العارمة في السيطرة على مقاليد الحكم إلا أنها تعجز عن ذلك!! وما زاد حزني هو غياب الهدف في الحالتين، فالنظام هدفه البقاء في الحكم بأي ثمن ولكن بقاءه هذا يسفر عن كوارث سياسية لا تصيبن النظام خاصة بل يتعدى تأثيرها السلبي بعد تفتيت السودان إلى الجوار الإقليمي، والأهم الشمال الإفريقي الذي يمثل الثقل العربي والإسلامي في العالم، فسكان مصر وحدها يفوق عددهم سكان كل الجزيرة العربية والشام ولبنان.. ومصر قد خرجت من أتون معركة تحرير لن تكون في مأمن إذا كان خط دفاعها الجنوبي وهو أخطر الخطوط مهترئاً!! هدف النظام البقاء في الحكم، وهذا ليس في حد ذاته هدفًا، إنما وسيلة لتحقيق هدف وطالما بقي هذا هدفاً، فإن الأحوال ستسير من سيء لأسوأ، وستطول من جراء هذا الهدف السنون العجاف التي وضع المولى عز وجل سقفاً لها وحددها بسبع، وما شهد التاريخ عجافاً يأكلن عجافًا!! من سخريات القدر أن المعارضة أيضاً تضع أمامها هدفاً، وهو إسقاط النظام، وهو في حد ذاته ليس هدفاً إنما أيضاً وسيلة لتحقيق هدف، ما الذي سيجنيه المواطن السوداني البسيط من بقاء النظام أو من إسقاطه في حالة غياب مفهوم الهدف لدى الطرفين.. أجيب عن هذا السؤال بكلمة واحدة الفوضى، وهل هذا ما يريده النظام والمعارضة؟! إذا بقي النظام فإن عجلة الانهيار ستتسارع وسيخضع النظام للضغوط الخارجية تماماً كما خضع لها في نيفاشا والتي هي بحق اتفاقية السام الشامل وليس السلام الشامل!! نعود للمعارض التي تتفق مع النظام في شيء واحد وهو عدم التأثير على الشارع وقد يلتقيان أيضاً في الهدف وبالنسبة لهما وهو السلطة، ماذا نرجو من نظام ومعارضته وهما لا يفرقان بين الهدف والوسيلة؟! جراء هذا الصراع وقف الشعب موقف المتفرج الذي يهزأ بكليهما، وعلّه يتمنى في قرارة نفسه أن يجد عصا موسى فيضرب بها البحر ويسير نحو الشاطئ فيتبعه الاثنان فينطبق عليهما، ولن يجدا فرصة كتلك التي مُنحت لفرعون لينجو ببدنه ولن تسنح لهما الفرصة ليقولا آمنا برب هارون وموسى!! كنت قد اقترحت من قبل قيام مجلس عسكري مدعوم بكفاءات اقتصادية واصلاحية ليقوم ذلك المجلس العسكري بتشكيل حكومة تكنوقراط تبني ما تهدم من بنيات أساسية واقصد بها المشروعات الزراعية والسكةالحديدية والخزانات ووسائل الري التي تضررت كثيراً بسبب السياسات الخرقاء لإدارة الزراعة والنقل!! وقد يسأل سائل ولماذا المجلس العسكري؟! سؤال مهم ومحوري أجيب عنه بالآتي: أولاً الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي يلتقي فيها أبناء الشعب بكل فصائله ومكوِّناته، ويضم كل التخصصات، وتجتمع فيه كل العلوم الحديثة الأمر الذي لا تجده في أي مؤسسة أخرى!! ثانياً: وضع البلاد في هذه الفترة الحرجة من تاريخها يحتم أن يكون الجيش في الفترة الانتقالية هو القابض على الأمور التي لن تكون سهلة وسيكون كالقابض على الجمر، ولا أظن أن النظام ومعارضته سيجدان القدرة على قبض ذلك الجمر، فكلاهما يحمل في عقله فكرة واحدة البقاء على السلطة عند الأول وانتزاعها عند الثاني وكلاهما جعل منها هدفاً!! ثالثاً: السودان يغلي بحركات التمرد ومهدد صباح مساء بحرب مع دولة الجنوب فمَن مِن الأطراف السياسية الحاضرة قادرة على المواجهة الصعبة؟! فالنظام يريد استئناس هذه الحركات والمعارضة تريدها أن ترفع وتيرة التوتر، والجمرة لا تحرق إلا من يطأها وجيشنا الباسل ومنذ أكثر من نصف قرن يقف على هذه الجمرة!! رابعاً: في هذا الجو السياسي المتردي نجد أن السياسيين حاكمين ومعارضين كما يقول المثل السوداني ضاع عليهم رأس الخيط، ورأس الخيط لا يلتقطه إلا الجيش!! خامساً: الأمور في مثل هذه الأوضاع الحرجة لا يجب أن تؤول كلياً لحزب سياسي حاكم أو معارض، والجيش كما ذكرت لا يتبع لسياسات حزب بعينه فهو مؤسسة قومية وهو الأكثر إدراكاً لإستراتيجيات الأمن القومي كذلك فهو الأقدر على تسيير الأمور وعلى أقل تقدير عسكرياً!! سادسًا: السودان اليوم في أمس الحاجة للمّ أطرافه وهذا ما يعجز عنه النظام الحاكم أو معارضته، فالشعب لا يلتف حول مؤسسة كالتفافه حول جيشه الحبيب والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة!! أرجو ألا يفهم حديثي كتحريض للمؤسسة الموقرة «الجيش» إنما يتم ذلك باتفاق بين الحكومة والمعارضة، فأي تحرك عسكري دون اتفاق الطرفين يحمل في ثناياه خطراً داهماً على البلاد، لأنه لا شك سيكون ذا صبغة سياسية تميل لذلك الحزب أو ذاك!! وهذا الاتفاق يجنب البلاد مخاطر عدة أولها تفكيك البلاد حسبما هو مرسوم لها، والجيش كما ذكرت هو المؤسسة الوحيدة التي يقبلها الشعب ويقف خلفها وقد وقف معها في نداء السودان حين أراد البعض التخلي عنه ووقف معه في صيف العبور وهجليج وقدم الاثنان أروع آيات الفداء والتضحية!! بعد هدوء الأوضاع في الفترة الانتقالية والتي لا تقل عن عامين، يكون الشارع السياسي تبلور في مفاهيم سياسية جديدة وعصرية وتظهر الأهداف أمام المواطن الذي سيملك الوسائل لتحقيقها، فالشعب السوداني شعب مؤمن فيه من قاتل وفيهم من قضى نحبه وما بدل تبديلاً!! هل فهمتم يا أولي الألباب!! الطريق إلى الحرية شاق إلا على من يؤمن بها، والحرية الحقة تمثل النقلة من عبادة العباد إلى عبادة الحق المطلق الذي هو الله جل جلاله!!