المدهش في قائمة منبر رؤساء الأحزاب والقوى السياسية بولاية جنوب كردفان إنه لم يكن الحزب الشيوعي السوداني من بين الأربعة عشر حزباً في القائمة، وهي قائمة القوى السياسية التي أصدرت أمس الأول بياناً صحفياً حول إعلان بدء التفاوض بين حكومة السودان والحركة الشعبية «قطاع السودان» الجارية في أديس أبابا. والحزب الشيوعي بيد أنه حالة «ضفدعية» أو إن شئت «حالة قعونجية».. إذ أن صوته أكبر من حجمه، فهو الذي زعم مناهضة الاستعمار البريطاني مع أن من كونه في السودان هو ضابط بريطاني في سلطات الاستعمار البريطاني اسمه «استوري».. وهو الذي ادّعى النضال السياسي مع إنه صاحب مجزرة بيت الضيافة وقبلها المحرّض على ضرب الأنصار في الجزيرة أبا وود نوباوي، والمحرّض أيضاً على ضرب الطلاب وقصفهم بالدبابة في جامعة الخرطوم، حينما كانت كوادرهم تحرّض سلطات نظام نميري وتهتف: «أضرب أضرب يا أبو القاسم».. وهو الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم ضابط المظلات الذي اشترك في انقلاب نميري يوم «25 مايو 1969».. وكذلك كانت تهتف: «الحسم الثوري يا خالد» والمقصود اللواء خالد حسن عباس نائب نميري حينها، وكان يقول الشيوعيون بخصوص جامعة الخرطوم: «لا نسمح بأن تكون الجامعة جزيرة رجعية وسط محيط ثوري هادر.. انظر إلى هذا التعبير الأدبي الجمبيل والمقصود بالرجعيين هنا حزب الأمة بأنصاره والاتحاديين والإسلاميين، لكن كان الشيوعيون ما زالوا يناصرون ويتعاطفون مع الحركات المتمردة مع أنها أكثر رجعية من الأنصار والاتحاديين والإسلاميين إذا افترضنا أن هؤلاء رجعيين.. وغياب الحزب الشيوعي في قائمة أحزاب جنوب كردفان بالفعل كان مدهشاً فهو لا وجود له هناك، وحتى لا يقول إنه يرفض المشاركة في قائمة تضم المؤتمر الوطني وحلفاءه، فإن حزب الأمة القومي والمؤتمر الشعبي وحزب البعث العربي الاشتراكي ضمن القائمة وهي أحزاب شرسة جداً في معارضتها للحكومة خاصة المؤتمر الشعبي الذي خرجت منه قيادات حركة العدل والمساواة في مأمورية طويلة كما يبدو.. إذن لا وجود يذكر للحزب الشيوعي في السودان غير دائرة الخرطوم التي ترشح فيها عام «1986م» عنه عز الدين علي عامر وبقية عناصر في عطبرة، وحتى الذين انتخبوا عز الدين علي عامر ليسوا كلهم شيوعيون وإنما أغلبهم تقريباً رفضوا أن يصوتوا لمنافسيه في الدائرة مرشح أنصار السنة الجنوبي الشلكاوي الدكتور يوناس بول دي مانيا ومرشح الجبهة الإسلامية بزعامة الترابي اللواء طيار الفاتح عبدون.. فالحزب الشيوعي «ضفدعة» صوتها أكبر من حجمها.. أما الغريب جداً أن يكون ضمن قائمة أحزاب جنوب كردفان حزب البعث العربي الاشتراكي ويرأسه هناك السيد محمد رزق الله تية وهو من أبناء النوبة المكتوين بنيران عدوان الحركة الشعبية بقيادة الحلو أكثر من غيرهم. ويبدو أن محمد تية يمثل حزب البعث المنشق من جماعة علي الريح السنهوري عثمان وأبو راس أي الذي يتحدث باسمه محمد ضياء الدين الممثل له في تحالفات المعارضة من التجمع المعارض إلى تحالف جوبا إلى تحالف ما بعد انفصال الجنوب.. والغريب هو أن ينشط حزب في جنوب كردفان ويحمل اسمه كلمة «العربي».. وكأنه حزب عرقي.. وطبعاً حينما تأسس حزب البعث في سوريا والعراق لم يخطر ببال مؤسسيه أن هذا الحزب يمكن أن يتمتع بعملاء في دولة إفريقية مثل السودان، لذلك كان اسمه حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان من الحكمة التنظيمية أن يكون اسمه هو «حزب البعث الاشتراكي» وأيضًا كان من الحكمة التنظيمية أن يكون اسم الحزب الشيوعي السوداني هنا هو «الحزب الاشتراكي السوداني».. لكنها هي أحزاب سالبة على نفسها مثلما أنها سالبة في المجتمع. إذن السؤال هو ما الذي يجعل حزب البعث العربي في قائمة أحزاب «جبال النوبة» ولا يجعل الحزب الشيوعي؟! هل لأن الأخير حليف غير مُعلن لتمرد الجنوب في السابق ولقطاع الشمال الآن؟! الإجابة «نعم».. لأن الحزب الشيوعي علّق على احتلال هجليج بنحو يخدم الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا، وقال الناطق الرسمي للحزب الشيوعي. ما معناه أن العدوان متكافئ من جنوب السودان على السودان والثاني على الأوّل.. إن الشيوعيين والبعثيين ليس أمامهم لتجنب سخرية الشعب منهم إلا أن يحلوا أحزابهم السالبة والوهمية ويشكلوا حزباً محترماً أو أكثر، فهل هم فاعلون؟