ما قالته وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة نميري البروفسور فاطمة عبد المحمود ل«الإنتباهة» في حوار معها يوم أمس عن حكومة نميري كان غريباً فقد اعتذرت نيابة عنها وباسمها عن ما أصاب الأنصار والشيوعيين وحزب البعث واتفاقية أديس أبابا، فقالت: «إنني وباسم مايو أقدم اعتذاري وأكرره لكل القطاعات التي أصابها ضرر في فترة حكم مايو بما في ذلك حزب الأمة والحزب الشيوعي وحزب البعث العربي ولا بد من الاعتذار للجنوبيين في انهيار اتفاقية أديس أبابا».. انتهى.. والنظر من خلال الوقائع والحقائق إلى هذه التصريحات الغريبة المدهشة المفاجئة يجعلنا نراها بهذه الصفات.. أما بالنسبة لضرب الأنصار في الجزيرة أبا وودنوباوي حيث مسكن جعفر نميري فإن الاعتذار كان ينبغي أن يصدر من الحزب الشيوعي وليس الاتحاد الاشتراكي الذي تتزعمه ولو باسم جديد بروفسير فاطمة، وذلك لأن المحرّض الأول على تعنيف الأنصار في ذلك الوقت هم الشيوعيون وبرنامجهم الفظيع الذي حاولوا أن يديروا به البلاد قبل خلافهم مع نميري، وكان بعد الخلاف أن حاولوا إسقاط حكم نميري في 19يوليو 1971 لكنه عاد بعد ثلاثة أيام، وإذا كانوا قد استمروا في الحكم لكانت قد وقعت مجازر ضد الأنصار أفظع من التي حرّضوا عليها وأفظع من التي نفذوها في بيت الضيافة، ثم إن الأنصار كانوا هم الذين قد بادروا بالعدوان وتعرّض موكب الرئيس نميري في أم جر بالنيل الأبيض، لكن نميري بعد ذلك بكل طيبة قلب قام بمسامحة من أطلق على موكبه النار بعد أن قبض عليه وأحضر أمامه، وقد جرى بينهما هذا الحوار: نميري: لماذا تريد أن تقتلني؟ الفارس: لأنك شيوعي نميري: أنا لست شيوعياً يا أخي. الفارس: هذا ما قولوه لنا. نميري: أنت فارس ومثلك تحتاج إليه البلاد وسأمنحك مبلغاً من المال وأعفو عنك ولن أعدمك.. «انتهى الحوار». ومن هذا الحوار يمكن أن نستنتج أن التحريض على ضرب الأنصار كان من الشيوعيين الذين يعتبرونهم رجعيين ومتخلفين ولا بد من القضاء عليهم لتأسيس دولة ماركسية لينينية.. أما الشيوعيون فغريب جداً أن تعتذر بروفسور فاطمة لهم باسم مايو.. ومعلوم أن «مايو» هي التي اقتصّت لذوي شهداء بيت الضيافة الذين سقطوا ضحاياً بسبب مشروع الدولة الماركسية اللينينية في السودان.. وكان نميري أثناء محاكمات قادة انقلاب الشيوعيين في 19 يوليو يسأل سكرتير الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب ويعرض عليه صور مجزرة ضباط بيت الضيافة ويقول نميري: ما هذا الذي فعله حزبكم يا عبد الخالق؟! ويجيب عبد الخالق قائلاً: «أنا عايز انتهي وبس».. ثم يخاطبه نميري قائلاً: و«انت يا عبد الخالق نسيت الكسرة والملاح وبقيت تشرب الوسكي وتدّعي توعية الشعب».. انتهى. لا بد للأجيال الجديدة أن تفهم ماذا حدث ضد مايو ومن مايو، ولا بد أن تعرف أن مايو مشكلتها ليست في نميري إنما علتها في من عملوا مع نميري من اليوم الأول حتى 6 أبريل 1985م باستثناء اللواء خالد والرائد مامون وبروفسور شمو والمشير سوار الذهب والمحامي الرشيد الطاهر بكر وأحمد عبد الرحمن وعلي عثمان. وكان فاروق أبو عيسى العضو بالحزب الشيوعي هو أسوأ من عمل مع نميري بعد منصور خالد وهو الذي حرّض الحكومة على ضرب الأنصار وهذا ما يؤمن به الصادق المهدي. أما حزب البعث فهو صاحب اشتراك جنائي في «19» يوليو «1971» وكانوا قلة وقال نميري «كلّهم ستة وقبضنا عليهم» يقصد عضوية البعث.. أما اتفاقية أديس أبابا فقد انهارت بالطبع بسبب كراهية الاستوائيين الشديدة جداً للدينكا في جنوب السودان وقد جرت انتخابات إقليمية عام 1982م بين قوى كلمنت ممثل الوحدة «وحدة إقليمالجنوب» وجوزيف طمبرة ممثل «تقسيم الإقليم لصالح الاستوائيين الذين ارتدوا تيشرتات مكتوب عليها «الإقليم الاستوائي الآن».. وقد فاز التقسيميون، فماذا يفعل نميري إذن ولماذا يعتذر أو تعتذر فاطمة باسم مايو في أمر جنوبي بحت وديمقراطي؟! ليس هناك أسباب موضوعية للاعتذار عن كل هذا باسم مايو.