لم تكن أحداث الإثنين الأسود مطلع أغسطس «2005م» مجرد ردة فعل عنيفة على مصرع رئيس الحركة الشعبية الجنوبية جون قرنق إلا شرارة أو عود الثقاب الذي أشعل الخرطوم نتاج حقد زرعته الحركة ودعايتها السياسية في نفوس أتباعها، فقد وقعت الأحداث بقسوة ووحشية في العاصمة.. وبانتهاء الإثنين الأسود بخيره وشره إلا أن الجرح لم يندمل والتي قرأها مراقبون حينئذ أنها مقدمة لعواصف عنيفة ستنازع البلاد، فبالرجوع لذاكرة التأريخ نجد أن طابقت ما حدث في السادس من ديسمبر خلال العام 1964م لحظة استقبال مبعوث غربي وقع معه صدام من جانب الجنوبيين ما عجّ به الإثنين الأسود أفرز العديد من الظواهر الخطيرة التي صاحبت وجود أبناء دولة الجنوب فيما يسمى بعصابات النقرز والتي كانت تعتدي على المواطنين بصورة وحشية وتسلبهم كل ما يمتلكون إن لم تسلبهم أرواحهم، والتي أكدت شرطة ولاية الخرطوم انتهاءها خلال الفترة الماضية!! ويرى البعض أن هذه الأحداث تفرض تقنين قاعدة أن كل وجود أجنبي كثيف لابد أن يقابله وجود أمني أكثر كثافة والتي تأخذ بها كل الدول في العالم، والشاهد أن بالسودان الآن أعدادًا كبيرة من الأجانب خاصة من الدول الإفريقية المجاورة وغيرها من الدول وهذا يجعل الأمن في البلاد مهدداً وغير محمود العواقب علمًا بأن إقامة أكثرهم غير مقننة قانونيًا مما يجعل الخطر أكبر.. وهو ما ذهب إليه الخبير العسكري الفريق إبراهيم الرشيد لدى حديثه ل «الإنتباهة» بقوله إن وجود أي أجنبي بدولة ذات سيادة يصبح خطراً عليها، وعاب على السلطات عدم تقنينها الوجود الجنوبي الأجنبي بعد الانفصال بصورة واضحة وإجراءات رسمية بوثائق ثبوتية لتحديد أماكن سكنهم وتحركاتهم مما أفرز تهديداً أمنيًا أكثر خطورة، ولكنه استدرك بقوله إن هناك من فيهم «ويقصد الجالية الجنوبية» من يمكن أن يكون يعي عاقبة تصرفاته ومسؤوليته عنها ويمكن الثقة بتصرفاتهم ولكن أيضاً هناك مجموعات غير مسؤولة وقد تكون متفلتة وهؤلاء لا يمكن الاطمئنان لجانبهم والحديث للرشيد ارتباط الكثير من المشكلات والأزمات التي مر بها السودان، وظهور نوع جديد من الجريمة بوجود الأجانب فيه، جعل المسؤولين يتخوفون من خطورة الوضع، وجعل ضبط وجودهم ضرورة لا تقبل التأجيل، ولكن وكما يقول المثل «كل شيء يفوت حده ينقلب إلى ضده» أصبح الأمر يناقش جهرًا بعد أن كان همسًا وبدأ المسؤولون يتحدثون عنه ويشتكون منه مثل مناشدة معتمد الخرطوم اللواء عمر نمر للأمم المتحدة للمساهمة في ترحيل «9» آلاف جنوبي عالق بولاية الخرطوم مهددًا باستبعاد كل من لا يستوفي شروط الإقامة وهذا ليس ببعيد عما يدور من ترتيبات خفية لهذه التجمعات والتي توجد بكثرة في أماكن حيوية وفي قلب الخرطوم وارتباطها بالخلايا النائمة التي لطالما اشار إليها الكثيرون وبعلاقة تربطها بالجبهة الثورية والحركة الشعبية لتحريكها وهي خلايا موجودة بلا شك كما قطع الفريق إبراهيم الرشيد بذلك وإرجاعه لها لأسباب الصراع بين السودان ودولة الجنوب والحركات المسلحة، ونبّه محدثي إلى أن الظروف التي يمر بها أبناء الجنوب من وجود غير قانوني وتبطلهم عن العمل تجعلهم عُرضة للاختراق والتجنيد بقليل من الإغراءات.. ظاهرة الوجود الأجنبي الجنوبي تجعلنا نتطرق لكثافة الأجانب في السودان وكانت السلطات كشفت عن وجود حوالى «4» ملايين أجنبي يقيمون بطريقة غير منظمة، فيما أقرت السلطات بوجود شبكات تعمل في تهريب البشر والأجانب خاصة في العاصمة الخرطوم، وقد أدى ارتفاع نسبة الوجود الأجنبي غير المقنن إلى ارتفاع معدل الجريمة والتي للحد منها كشفت إدارة الجوازات والجنسية أنها تسعى لضبطه بتعديل التشريعات الخاصة بوجوده، وضرورة وجود جانب إعلامي يواكب هذه التعديلات، وكذلك التنسيق مع السلطات في دول الجوار بعد عمل إحصائية حقيقية تحدد وجودهم بولايات السودان.