وقف عم عبد الغني دقائق طويلة وهو يفكر في أي الطرق يسلكه حتى يصل إلى مسجد الحي بأمان، وبعد أن سمع إقامة الصلاة عبر مكبرات الصوت عاد إلى منزله ليصلي به ويفوت عليه ثواب فرض الجماعة، وبخلاف العم عبد الغني فإن الكثير من أعمامنا لم يستطع الذهاب للمسجد لأداء الصلاة فالطرق مشغولة بمياه الأمطار، وحتى شباب الحي يجدون مشقة طويلة في الوصول للمسجد وعزاؤهم الوحيد أنهم شباب يستطيعون خوض مياه الأمطار والتحسب للأماكن الخطرة في الطريق، وفي كل عام يقف أعضاء اللجنة الشعبية بالحي ويخططون تحسبًا للخريف وفي كل عام تأتي الأمطار والحال ياهو الحال، والغريبة أن هذا العام شهد تحركًا كثيفًا من والي الخرطوم ومعتمديها في مختلف المحليات استعدادًا للخريف الذي يختزل في الخرطوم في مطرتين أو ثلاث ولكن هذه الأمطار تغرق العاصمة لشهور عديدة في وحلها، ولم تنجح الخرطوم وحكومتها طيلة السنوات الماضية في إيجاد حل للعاصمة «الحضارية» في الخريف وإن قدر لك وأنت تشق «السوق العربي» في يوم خريفي فلن تفلح في المحافظة على نظافة ملابسك، وإن قدر لك أن تقرأ أحد التصريحات للمسؤولين في حكومة الخرطوم حول الخريف لأوهمت نفسك بأننا على موعد مع عاصمة حضارية تمتص شوارعها مياه الأمطار في دقائق معدودة. وكثيرون غيري يسألون أنفسهم عن سبب فشل كل مهندسي الخرطوم ومنظريها في إيجاد حلول ناجعة لمصارف المياه في الخرطوم، فمن العيب أن تغرق الخرطوم من أول مطرة ومن العيب أن تعجز ولاية الخرطوم ومحلياتها عن تصريف مياه الأمطار من الأحياء. وكل أهل الخرطوم يحلمون باليوم الذي تهطل فيه الأمطار لساعات طوال ثم يخرجون للشوارع ليجدوها مبتلة بالمياه وليست ممتلئة بها كما يحدث الآن، فهل يتحقق هذا الحلم؟ ربما يتحقق إن صحت حكومة الولاية ومحلياتها من غفوتها وتابعت العمل في حفر المجاري ومصارف المياه في الأحياء وفي قلب الخرطوم، فلا يعقل إن يبدأ العمل في حفر المجاري ثم يتوقف بعد يوم واحد، ولا يُعقل أن تترك إدارة المحلية الهندسية مواد الكباري على الشوارع دون الاستفادة منها، ولا يعقل أن تتعامل المحليات مع خدمات المواطن بسمحة المهلة، إلى أن تغرق المدينة ، فاتقوا الله في عباد الله.