الحديث الحذر من جُلِّ قيادات المؤتمر الوطني بشأن المرشح الرئاسي القادم أو خلافة البشير، يبدو بائناً بين ثنايا تصريحاتهم. كان آخرها إفادات نائب رئيس المؤتمر الوطني د. نافع علي نافع في الحوار الذي أجرته معه الزميلة (السوداني)، ونشرت جزءًا منه في نسختها أمس، حمل تأكيد الرجل على تفكير حزبه في إختيار المرشح. وعاد وأوقف مسألة التفكير عند محطة الرئيس البشير نفسه عندما رهن الأمر بنية الرئيس عدم الترشح. ويبدو أن مجموعةً داخل الوطني يتزعمها نافع أو هو أحد أنصارها -الأمر سيان - تؤيد وبشدة إستمرار الرئيس البشير على كرسي الحكم، ولم تُعر تصريحات سابقة للبشير إهتماماً، قطع فيها بعدم ترشحه للرئاسة مجدداً نشرتها (الراية) القطرية في مارس الماضي، قال فيها «إن المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني الحزب الحاكم في السودان سيعقد مؤتمره العام 2013 وسينتخب المؤتمر رئيساً للحزب سيكون بالتالي مرشحاً للرئاسة العام 2015» .. ومن الواضح أن تياراً في الوطني لم يتقبل تلك التصريحات حتى أن وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين - يبدو قريباً جداً من تيار إستمرار البشير - أعلن في حوار أُجري معه، أن البشير نفسه لن يحدد مسألة ترشحه من عدمها، بينما واقع الحال يقول إن العكس هو الصحيح. مجموعات داخل الوطني من أنصار التغيير وتدعو له بطريقة مستترة من خلال حديثها عن المتغيرات في المنطقة العربية، وما أفرزته الثورات العربية من واقع جديد يلزم الأخذ به والإعتبار منه، وللمفارقة أن الرئيس البشير نفسه، الذي هو العنصر الأساسي في الموضوع، ينسب لذلك التيار من خلال إعلانه عدم نيته الترشح، بل ومضيه لأبعد من ذلك برسمه ملامح خليفته في القصر - لو قُدر للوطني الاستمرار في السلطة - سيكون من الرموز بل وحتى المقربين من البشير من أهل بيته بدأوا غير متحمسين لمواصلته المشوار الشاق. مساندة مجموعات لإستمرار البشير قد ترتبط بمصالح تلك المجموعات من خلال بقاء البشير في السلطة أو أن نفوذها وبناءها لقوتها داخل الحكومة والحزب مستمدة من البشير نفسه، لكن في المرحلة المقبلة حتى ولو عمد ذلك التيار المساند لتجديد الثقة في البشير في الضغط عليه ليستمر دورة جديدة بعد أن وضح أنه أحد الخيارات بحسب إفادات نافع ل(السوداني)، فان ذلك التيار قد يواجه بضغوط حتى من داخل الحزب، بعد أن بات التغيير ثقافة مشاعة في كل الأوساط، ولا يمكن أن ينفصل الحزب عن تلك الثقافة. لكن مجموعة أخرى عينها على الحركة الإسلامية قد تساند إستمرار البشير لتبرر لنفسها إستمرار علي عثمان في قيادة الحركة الإسلامية وإستمرار آخرين في مفاصل التنظيم الخاص، وذلك أن اللائحة في الحركة الاسلامية تحدد بقاء الشخص في المنصب لدورتين فقط، وقد أكمل طه الدورتين ما يعني أن التجديد له لن يكون بالأمر اليسير، وقد يحدث ما هو أقرب للمقايضة، بأنه حال تم التجديد للرئيس في الحزب يتطابق ذلك مع التجديد لطه، وآخرين في الحركة الاسلامية، وذلك أن الحركة الإسلامية نافذة وإن بدا يظهر ضمور دورها داخل الأجهزة العسكرية والأمنية من خلال إنهاء خدمات عدد من الكوادرالإسلامية الفاعلة والمهمة والمعروفة بصلابتها وقوة شكيمتها. المؤتمر الوطني يتحدث عن إمتلاكه آليات لإختيار المرشح الرئاسي وهذه الآليات لديها مواثيق بالعمل، كما قال د. نافع مع أن قيادي بالوطني - فضل حجب هويته لحساسية الأمر - ذكر لي أمس عدم علمه بوجود آليات محددة للمرشح الرئاسي. ونوّه إلى وجود الشروط العامة المتعارف عليها عند تقديم أية شخصية للأمام، ولكن عاد وأقرًّ بصعوبة الإجماع على خليفة للبشير. ونوّه إلى أن الحزب حتى الآن لم يحسم أمر التجديد للبشير، كما ولم يؤمن بعد أن البشير لن يترشح. وبالتالي هذا يعني أن الحزب لم يفكر أصلاً في بديلٍ للبشير.