نقول اللهم إني صائم إذا واحد زهجنا في رمضان.. لكن في غير رمضان قد ندخل معه في اشتباك.. إذن شخصية رمضان القوية هي التي تروضنا لكي نتحلى بالأخلاق الحميدة، والحلم سيد الأخلاق نحتاج إليه في هذا العصر بالذات.. عظات وعبر نستخلصها ونتعلمها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى معجزاته ومنها ما يروى عن عمر بن الخطاب في شأن الأعرابي والضب الذي نطق.. فلنتوقف عند الحوار الذي دار ومتعة البلاغة وثمار «الحلم» كما يقول رسولنا الكريم لعمر بن الخطاب: أما علمت أن الحليم كاد يكون نبياً. وهذه الرواية وردت في كتاب «الصب» فيما ورد وقيل في الضب والمعجم الصغير للطبراني تقول: «عن عمر بن الخطاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في محافل من أصحابه إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضباً وجعله في كمه، فرأى جماعة فقال: على من هذه الجماعة؟ فقالوا: على هذا الذي يزعم أنه نبي، فشق الناس، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ما اشتملت النساء على ذي لهجة كذب منك، وأبغض إلي منك، ولولا أن تسميني قومي عجولاً فجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك الناس أجمعين.. قال عمر فقلت: يا رسول الله دعني اقتله.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما علمت أن الحليم كاد يكون نبياً، ثم أقبل الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: واللات والعزى لا آمنت بك، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا اعرابي ما حملك على أن قلت ما قلت، وقلت غير الحق ولم تكرم مجلسي.. قال وتكلمني أيضاً استخفافاً برسول الله والله والعزى لا آمنت بك آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب، فأخرج الضب من كمه وطرحه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن آمن بك هذا الضب آمنت بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ضب فتكلم الضب بلسان عربي مبين يفهمه القوم جميعاً: لبيك وسعديك يا رسول رب العالمين.. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعبد؟ فقال: الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عذابه.. قال فمن أنا يا ضب؟ قال: أنت رسول رب العالمين وخاتم النبيين قد أفلح من صدقك وقد خاب من كذبك فقال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقاً.. والله لقد أتيتك وما على وجه الأرض أحد هو أبغض إلي منك ووالله لأنك الساعة أحب إلي من نفسي ومن ولدي فقد آمن بك شعري وبشري وداخلي وخارجي وسري وعلانيتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداك إلى هذا الدين الذي يعلو ولا يعلى، لا يقبله الله إلا بصلاة ولا يقبل الصلاة إلا بقرآن فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله» «وقل هو الله أحد».. فقال يا رسول الله والله ما سمعت في البسيط ولا في الرجز أحسن من هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا كلام رب العالمين وليس بشعر وإذا قرأت قل هو الله أحد مرة فكأنما قرأت ثلث القرآن وإذا قرأت قل هو الله أحد مرتين فكأنما قرأت ثلثي القرآن وإذا قرأت قل هو الله أحد ثلاث مرات فكأنما قرأت القرآن كله.. فقال الأعرابي: الإله إلهنا يقبل اليسير ويعطي الجزيل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأعرابي، فأعطوه حتى أبطروه فقام عبد الرحمن بن عوف فقال يا رسول الله إني أريد أن أعطيه ناقة أتقرب بها إلى الله عز وجل وهي عشراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك قد وضعت ما تعطي وأصِف لك ما يعطيك الله جزاءً: قال نعم: لك ناقة من در جوفاء قوائمها من زبرجد أخضر وعنقها من زبرجد أصفر عليها هودج وعلى الهودج السندس والاستبرق، تمر بك على الصراط كالبرق الخاطف. فخرج الاعرابي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه ألف اعرابي على ألف دابة بألف رمح وألف سيف، فقال لهم أين تريدون؟ قالوا نقاتل هذا الذي يكذب ويزعم أنه نبي فقال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. فقالوا له صبأت.. فقال ما صبأت وحدثهم بهذا الحديث فقالوا بأجمعهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتلقاهم في رداء فنزلوا عن ركبهم يقبلون ما ولوا منه وهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقالوا أمرنا بأمرك يا رسول الله، فقال: تدخلون تحت راية خالد بن الوليد، فليس أحد من العرب آمن منهم ألف جميعاً إلا بنو سليم» «أ.ه» هذا الحديث الذي روي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحمل الكثير ويفتح المجال ليتزود الصائم كثيرًا من فضيلة الحلم اقتداءً بأخلاق المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وكان خلقه القرآن. اللهم إني صائم نقولها في هذا الشهر الفضيل ومن رياض فضائل ومكارم الأخلاق تلك والغنائم ومفاتيح الفرج: كل باب من أبواب فضائل الشهر الكريم تدخل أو تلج منه إلا ويرفعك لمسافات وفضاءات واسعة من رضي الله أولاً ثم الفوز العظيم. الحلم، الصبر، الصدق، البر، الإحسان الأناه، الكرم.. إلخ نسأل الله أن يمتعنا بفضائل كل تلك الأخلاق التي تفضي جميعاً لمرضاة الله وجنات الخلد. في الأثر أن لكل شيء مفتاحًا ومفاتيح الخير هي: مفتاح الجنة هو التوحيد ومفتاح البر هو الصدق ومفتاح النصر هو الصبر ومفتاح الفلاح هو التقوى ومفتاح المزيد هو الشكر «لئن شكرتم لأزيدنكم» ومفتاح الإجابة هو الدعاء ومفتاح الإيمان هو التفكر في آيات الله ومخلوقاته ومفتاح حياة القلوب: تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى ومفتاح العز طاعة الله رسوله ومفتاح الرحمة هو الإحسان في عبادة الخالق والسعي لنفع عبيده ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا، أما مفتاح كل خير هو الرغبة في الله والدار الآخرة. نسأل الله أن يمتعنا بكرائم الأخلاق ونقتني بذلك مفاتيح الخير كلها آمين. ولتكن كلمة السر ونحن نتدرب على كل تلك الأخلاق ومفاتيح الخير في هذا الشهر المعظم على الدوام «اللهم إني صائم».