تعتبر حالة الشد والجذب العنيفة التي اعترت العلاقة بين القضارف ممثلة في واليها الأسبق كرم الله عباس والمركز والتي انتهت بإقالته أو تقديمه لاستقالته بإيعاز من رئاسة الجمهورية أبرز واجهة لاحتدام الخلاف بين المركز والولايات، جراء مماطلة وزارة المالية في الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الولاية وفقًا للوالي، ولعل مرد ذلك ليس قصرًا على شخصية كرم المصادمة والتي اعتادت الصدام مع عدد من ولاة القضارف السابقين إبان توليه لرئاسة المجلس التشريعي لها قبل انتخابات «2010م» فربما كان لاكتساحه الانتخابات بولايته دور في ذلك، فالوصول لمنصب الوالي بالانتخاب المباشر يختلف عن مراسيم التعيين الرئاسية، تلك التي كانت أحد أسباب المفاصلة بين الإسلاميين في ديسمبر «1999م». في مقابل تلك الحدة البائنة ينزع مسؤولون آخرون لخيارات هادئة في التعبير عن غضبهم لأسباب مختلفة، وأحدث صيغة من هذا القبيل ما أوردته الزميلة «الأهرام اليوم» عن اعتكاف وزير الزراعة عبد الحليم المتعافي بمنزله تعبيرًا عن إحباطه لضعف إنبات القطن المحوّر وراثيًا، الذي بدأت زراعته على نحو رئيس بكل من الجزيرة وحلفا، بعد أن كان طور التجريب سابقًا بينما كان للوزارة رأي آخر عبر مدير مكتب المتعافي الذي خرج بتصريح مفاده أن الوزير في إجازة لمدة أسبوعين. وسيزاول عمله عقب عيد الفطر مباشرة وفي إطار الولاة كان اعتزال والي جنوب دارفور السابق عبد الحميد موسى كاشا بمنزله بالخرطوم دلالة على رفضه لإقالته من ولاية جنوب دارفور وتسميته واليًا لشرق دارفور التي رفض تولي شأنها على إثر قرار رئيس الجمهورية عمر البشير الذي قضى بتقسيم جنوب دارفور إلى اثنين، وقد جاءت الوفود تترى من ولايته لإثنائه عن رأيه إلا أنه امتنع عن النزول لرغبتهم إلى أن صدر القرار الرئاسي بإعفائه من منصبه الذي لم يتقلده أصلاً، وقد ذهبت التفسيرات وقتها إلى أن رفض كاشا مرده عدم استشارته في الإقالة والتعيين، فضلاً عن أن شرق دارفور تفتقر للبنى التحتية للحكم والبنى التحتية العامة لخدمة المواطنين، هذه الخلفية تقود إلى الخلافات السابقة بين كاشا ووزير المالية علي محمود باعتبار أن الأخير يحجز عن الولاية مستحقاتها المالية، فكيف يكون الحال في شرق دارفور ومن قبل، ولدى سفره للمملكة السعودية سرت شائعات قوية مفادها أن والي البحر الأحمر محمد طاهر ايلا قد خرج مغاضبًا من المركز حتى إن زيارة نائب الرئيس علي عثمان محمد طه للرجل في مقره أثناء زيارته للرياض آنذاك قوبلت باهتمام من الصحافة، باعتبار أن طه بصدد مراجعة ايلا إلا أن الأخير ولدى عودته للخرطوم سخر من تلك الإشاعات بقوله إن من يخرج غاضبًا لا يتوجه للسعودية إنما يذهب لإريتريا مثلاً على اعتبار قيادة عمل مسلح سيما وأن متمردي الشرق السابقين احتضنهم نظام الرئيس أسياس أفورقي. ومن أشهر الحالات التي نُسب إليها الاحتجاج بمغادرة البلاد ما سرت به الأحاديث عن غضب نائب الرئيس طه.. آنذاك لدى مغادرته إلى تركيا «2009» لأسباب تتعلق بإشكالات في إدارة الحكم بالدولة، ونال الأمر حظه في المواقع الإسفيرية، وقد أعلن مكتب طه أن النائب في إجازة وبالعودة للوراء نجد أن وزير الإعلام السابق عبد الله مسار وبعد تقديم استقالته على خلفية قرار الرئيس بإعادة عوض جادين لموقعه كمدير لوكالة «سونا» آثر الإقامة في منزله بمنطقة الزاكياب شمال الخرطوم بحري في نهاية أبريل الماضي، وعلى مستوى الولايات هناك شخصية الوزير بحكومة النيل الأبيض اللواء الطيب الجزار والذي حدثت استقالته أكثر من مرة من تقلد الوزارة في حكومة النيل الأبيض آخرها منصب وزير التخطيط العمراني الذي قبل به مجددًا تحت إلحاح المواطنين فضلاً عن اتصالات على مستوى عالٍ جدًا بالخرطوم، كما قال في حواره للزميلة «الرأي العام» وكان الجزار عقب استقالته الأخيرة من منصبه الوزاري غادر الولاية للخرطوم وأغلق هاتفه، إلا أنه فسّر ذلك بدواعي الإجازة.. الجزار في حواره ذاك أبدى قدرًا كبيرًا من المسؤولية حيال علاقته بالوالي الذي يدور الحديث عن خلافاته معه، خاصة ما أثير حول رفض الوالي تسميته نائبًا له وفقًا لتوصية المركز الشيء الذي نفاه الجزار، إلا أنه وفي منحى آخر أشار إلى أن السياسة في دول العالم الثالث ومنها السودان تعتمد على تأثير الأشخاص، دون النظر لتفشي المحسوبية وغياب الشفافية وعدم العدل في تنفيذ المشروعات، ولعل حديثه هذا يعكس الواقع الذي يجابهه في بحر أبيض.