سقطت طائرة الانتنوف بجنوب كردفان فأسقط معها مدير سلطة الطيران المدني المهندس محمد عبد العزيز استقالته أمس في يد وزير الدفاع باعتباره الوزير المختص ومنه لرئيس الجمهورية، وكانت خطوة مفاجئة للكثيرين بالنظر لأسبابها التي حصرها عبد العزيز في بيان صحفي تلقت «الإنتباهة» نسخة منه أمس في أمرين: الأول، فقدان البلاد لزمرة من خيرة وأشجع قياداتها وأبنائها خلال مهمة وطنية مقدسة مما يمثل فجيعة وطنية ومصاباً جللاً تقتضي التنحي، والأمر الثاني تأكيده على إفساح المجال لمراجعة البرنامج الإصلاحي الذي يخضع له الطيران المدني منذ ثلاث سنوات في جوانبه المختلفة. والملاحظ أن محمد في استقالته تحلى بشجاعة قلما تتوافر في مسؤول لجهة أن إعلانه أن ما حدث للأنتنوف في تلودي يقتضي تنحيه أياً كانت مسببات الحادث رغم عدم وجود علاقة للطيران المدني بما حدث، وكل المؤشرات تقول إن مسألة الهبوط التدريجي التي كانت ستتم هي عملية في يد الطيّار فضلاً عن أن فصل الخريف بتلودي يستدعي الهبوط بعكس اتجاه الريح أي من الشمال للجنوب، كما أن المنطقة في هذا التوقيت تقع تحت رحمة الضباب. المهم أن الاستقالة أخذت طابع تحمل المسؤولية المفقودة لدى كثيرين، وتشير متابعات «الإنتباهة» إلى أن وزير مجلس الوزراء محمد مختار ظل في حالة بحث دائم عن عبد العزيز ظهر أمس ربما لإثنائه عن الخطوة التي أقدم عليها سيما وأن الرجل يحظى بثقة الرئيس وسبق للمشير البشير أن تفقد المشروعات الكبيرة التي تم تنفيذها في المطار وأبرزها صالة كبار الزوّار وأشاد بها. استقالات القيادات باتت حديث المجالس وقد سبق لوزير الصناعة أن تقدّم باستقالته بعد عجز وزارته عن تشغيل مصنع سكر النيل الأبيض وتم إثناؤه عنها، كما تقدّم وزير الزراعة المتعافي باستقالة لم يحسم أمرها بعد، وبالنسبة لمحمد يبدو أن ثقة الرئيس فيه تدفعه لعدم قبولها لسببين: الأول كونه حقق نجاحات على الصعيد الأمني، فهو من أبناء المؤسسة الأمنية وقد التحق بجهاز الأمن في العام 1993م. انتقل لهيئة التصنيع الحربي منذ 1996 حتى 2008 حيث أسس مجموعة جياد الصناعية التي أحدثت تحولاً هائلاً في صناعة السيارات والمتحركات بالبلاد، وحققت نجاحات كبيرة خلال فترة وجيزة استطاع السودان خلالها توطين صناعة السيارات وتصديرها لبعض دول الجوار، وحتى مغادرته كانت الشركة تنتج «18000» وحدة من السيارات والمتحركات. والسبب الثاني المكانة الكبيرة للطلاب الإسلاميين خريجي الجامعات المصرية ومحمد واحد منهم، حيث تخرّج هناك في العام 1987 وقد خلف الوزير السابق السموأل خلف الله على رئاسة اتحاد الطلاب السودانيين في القاهرة خلال العامين 1985، 1986، وعمل معه كل من اللواء أمن «م» علي بندق، معتمد مروي السابق، وحسبو محمد عبد الرحمن، وزير ديوان الحكم الاتحادي، وزامله خلال تلك الفترة كل من واليي شمال وجنوب كردفان معتصم زاكي الدين وأحمد هارون ورجل الأعمال البرلماني جمال الوالي، وقد قدِم عبد العزيز للطيران المدني في العام 2009 م حيث شرع في العديد من الإصلاحات والإجراءات التطويرية ابتدرها ببرنامج نهضوي إستراتيجي شمل كل محاور صناعة الطيران من تعزيز للقدرات الفنية والبشرية ورفع مستوى السلامة الجوية وتأهيل المرافق والبنيات التحتية بالمطارات وتحسين مستوى السودان وصورته خارجياً، وشهدت الفترة التي تولى فيها قيادة الطيران المدني العديد من المنجزات أبرزها إعداد واعتماد قوانين لتنظيم الطيران المدني بعد فراغ تشريعي لست سنوات كان الطيران المدني السوداني يعمل خلالها بلا قوانين تنظم أعماله. وتحرير الأجواء السودانية لشركات الطيران مما أسهم في تعزيز حركة النقل الجوي ومضاعفة أعداد الرحلات الجوية والمسافرين بعد توفر خيارات مفتوحة وتأهيل المطارات وصيانة مرافقها وصالاتها ومناطق الحركة الجوية وتعزيز مستويات السلامة بمطارات وأجواء البلاد، ويذكر كثيرون طائرة الفوكرز التي هبطت بسلام بإطارين بفضل الخدمات التي بات يقدمها الطيران المدني.