وتأبي إرادة الله الغلاّبة إلا أن تمتحننا بابتلاء عظيم، أنصبر أم نجزع، أنشكر أم نكفر، أنتعظ ونزدجر أم نسدر في غينا ونمضي في تخبطنا نحو كوارث وابتلاءات أخرى الله وحده أعلم بالمصير الذي تسوقنا إليه؟! كوكبة من أعظم من تُبتلى أمة بفقدهم دفعة واحدة، كأنهم انتُقوا انتقاء أو كأنّ لحظة رحيلهم اختيرت (نقاوة) من بين لحظات الدهر بعد أيام وليالٍ رمضانية عطّرها الشهداء بأريج القرآن يُتلى في جوف الليل تهجُّداً وفي أطراف النهار تبتلاً فما أعظمه من ابتلاء وهل يتخذ الله الشهداء إلا انتقاء واصطفاء؟! ألم يكن ذلك هو حال تلك الثلة الفريدة من شباب هذه البلاد الذين كتبوا بدمائهم أعظم الملاحم في تاريخ السودان؟! تلك الملاحم التي دكَكْنا بها حصون قرنق في أحراش نمولي قبل أن يتراجع المدّ وينحسر إلى تلودي التي بات الأوباش يطاردوننا في سمائها.. فيا حسرتاه!! ويحي على بلايل، ويحي على العالم الرباني محمد البخيت البشير الذي يستحق أن يحتفي به إعلامُنا بأكثر مما رأيتُ وما أتعس أمة لا تحتفي بعلمائها ولو عرف الناس قدر هذا الرجل لما تجاهلوه ولقدموه بقدر عطائه الطويل في الدعوة إلى الله، ويحي على الوزير الخلوق غازي، ويحي علي صديقي الجعفري، أبو قرون، الجيلاني وكوكبة الدفاع الشعبي وما أدراك ما الدفاع الشعبي.. هل أُعدِّد الشهداء جميعاً أم أن ذكر بعضهم يغنيني عن ذكرهم جميعاً؟ أقول ذلك بعد أن علمت من سيرتهم العطرة أن كلاً منهم يستحق أن أُفرد له مقالاً بل مقالات. في عزاء بلايل قلتُ مخاطبًا محبيه المكلومين إنني أستحق أن أُعزَّى في الرجل وغلبتني دموعي لما أعلم من صدقه فما من صفة ترفع الرجال في قلبي أكثر من الصدق وأدعو القراء الكرام لقراءة الحوار الذي أجرته معه (الإنتباهة) يوم الأربعاء الموافق العشرين من رمضان والذي سيُنشر غداً بإذن الله.. كان حزني عظيمًا خاصةً أن الرجل كان مقرراً أن يكون جزءاً من وفد كمال عبيد لجولة التفاوض القادمة وما من شيء كان يطمئنني إلى أن عهد الانبطاح قد ولّى إلى غير رجعة أكثر من وجود بلايل مع ثقتي في د. كمال عبيد الذي رفع قدره في نظري حملة كُتاب الغفلة وصحافة المارينز عليه ووصفهم له بأنه (صقر) وكأنَّ الحمائم من أولاد نيفاشا أنعموا علينا بالسلام والأمان والعزة والنصر المبين ولم يوردونا موارد الهلاك جراء انبطاحهم الذي لا نزال نتلوّى كالمصروع من سرطانه المستشري في جسد السودان!! بلايل السياسي المثقف الأديب الأريب الفصيح وأهم من ذلك كله الصادق الصدوق كنا ننتظر منه الكثير لكن إرادة الله العليم أبت إلا أن تمتحن صبرنا بفراقه ولا نملك إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون وإلا أن نرضى بمراد الله العليم سائلين الله أن يُلهمنا الصبر وأن يبدلنا خيراً فعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم. قلت في تأبين بلايل إن فرح الحركة الشعبية بموت بلايل لا يقل بأي حال من فرحنا بمصرع الهالك قرنق فما من عدو للحركة في جنوب كردفان وجبال النوبة أكبر من بلايل ولذلك لطالما استهدفوا الرجل وأنا على يقين، ما لم يثبت لي العكس، أن الطائرة المنكوبة استُهدفت من قبل الحركة بسبب بلايل، وليت التحقيق يكشف لنا حقيقة الأمر بدلاً من النتيجة العجلى التي صدرت في لحظة سقوط الطائرة وكأنها تحاول أن تجنب الحكومة الملام والمسؤولية عن الحادث. لقد أحال الحادث عيدنا إلى مأساة وأحال يوم الحركة الشعبية ويوم عرمان وباقان (العادي) إلى يوم عيد!! بالله عليكم اقرأوا إجابة بلايل عن السؤال الأول حول محاولة اغتياله وكذلك حول اغتيال الشهيد بلندية قبل أن تفكروا في (جليطة) إرسال بلايل في تلك الرحلة إلى تلودي وهو من كانت البلاد كلها في انتظار إسهامه في جولة التفاوض القادمة وما يتلوها من جولات.. قال بلايل عن سياسة الاغتيال في منهج الحركة الشعبية: (هذه سياسة منهجية متّبعة من جانب الحركة الشعبية منذ وقت بعيد، والأمر ليس اغتيال بلندية أو استهداف بلايل ولكن هناك عشرات الاغتيالات لا يعرفها الشعب السوداني في سلوك الحركة الشعبية فهذه المحاولات تستهدف بصورة أساسية القيادات المناوئة لخط الحركة الشعبية وكذلك قيادات الإدارة الأهلية، باعتبارها مؤثرة في القبائل التي لا توافق على خط الحركة الشعبية.. الخط العنصري الدكتاتوري الشيوعي وكذلك تستهدف الدعاة وأئمة المساجد، والحركة الشعبية في السودان عموماً وفي مناطق سيطرتها على وجه الخصوص في جبال النوبة والنيل الأزرق تريد في إطار السودان الجديد إحداث تحوُّل ثقافي وعقائدي في منطقة جبال النوبة) أسألكم بالله أليس هذا طرح منبر السلام العادل الذي ما فتئ يذكِّر الشعب السوداني والنخب وقبل ذلك ولاة الأمر في المؤتمر الوطني والحكومة والبرلمان بالطرح العنصري الاستئصالي المسمّى بمشروع السودان الجديد الذي جعل الحركة تصر على اسمها المتضمِّن عبارة (تحرير السودان) وتصر على أن تنشئ لها فرعاً عميلاً لا تستحي ولا يستحي من أن ينسب نفسه إليها ويحمل اسم قطاع الشمال؟! متى يُفيق قومي ومتى نُنهي حالة التراجع التي تجعل الحركة تتخطف قياداتنا واحداً تلو الآخر وتغزو أرضنا وتستبيحها وتحتلها ونحن نستمع إلى الخوّارين الجبناء المتثاقلين إلى الأرض بدلاً من أن نرفع راية الجهاد التي جرّبناها أيام كنا نطارد الحركة وجيشها في أحراش الجنوب؟! بالله عليكم هل معركتنا مع الحركة الشعبية أم مع هؤلاء الخوّارين الجبناء من دعاة ثقافة الاستسلام؟!