يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً)1. ويقول صلى الله عليه وسلم فيما اتفق عليه الشيخان من حديث أبي هريرة: (قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). الجنة دار خلقها الله بيده وجعلها مقراً لأحبابه وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه ، ووصف نعيمها بالفوز العظيم ،وملكها بالملك الكبير، وأودعها الخير بحذافيرها ، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص . فتبًّا لنفوسٍ لا تشتاق إليها ، ولا تتشوَّف لرؤيتها، ولا تعمل لدخولها! وبعدًا لقلوبٍ لا تحنُّ لذكرها، ولا تئنُّ من اللهفة لها ! إن الجنة هي سلعة الله الغالية التي تحتاج إلى سعي وعمل، وبدون السعي والعمل يصبح طلب الجنة جنون وعبث، يقول سبحانه: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) 2 فلا جنة إلا بسعي لها، يقول يحيى بن معاذ كما في صفة الصفوة: «عمل كالسراب وقلب من التقوى خراب وذنوب بعدد الرمل والتراب ثم تطمع في الكواعب الأتراب! هيهات أنت سكران بغير شراب». وليعلم كل مُنعَّم ومترف ولاهٍ وعابث أن عذاب الآخرة إذا تعرض له سوف ينسيه كل هذا الترف والنعيم، وليعلم كل فقير أو معوز أو بائس أن نعيم الجنة إن كان من أهلها سوف ينسيه كل هذا البؤس، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أنس: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في جهنم صبغة ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مر بك شدّة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بى بؤس قط، ولا رأيت شدة قط)، فهل يستحق نعيم هذه قيمته أن نعصي الله من أجله؟! هل تستحق حياة تنسى بغمسة في جهنم أن نضحي بديننا من أجلها؟! أعمال تدخل صاحبها الجنة عن أبي هريرة ، رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصبح منكم اليوم صائمًا ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبوبكر: أنا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضًا ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرئ ، إلا دخل الجنة. وعن عبد الرحمن بن أبي بكر، رضي الله عنه ، قال : صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على أصحابه بوجهه فقال: هل فيكم أحد أصبح اليوم صائمًا ؟ فقال :عمر بن الخطاب : يا رسول الله لم أحدث نفسي بالصوم فأصبحت مفطرًا ،فقال أبو بكر : لكني حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائمًا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أحد منكم اليوم عاد مريضًا؟ فقال : يا رسول الله ، صلينا ثم لم نبرح فكيف نعود المرضى ! فقال أبوبكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاكي ، فجعلت طريقي عليه حين خرجت إلى المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تصدَّق أحد منكم اليوم بصدقة ؟ فقال عمر يا رسول الله صلينا ثم لم نبرح . فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل ، فوجدت كسرة خبز شعير في يد عبد الرحمن، فأخذتها فدفعتها إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت فأبشر بالجنة . فتنفس عمر : أوّه ، أوّه ، أوّه للجنة)3 عن ثمامة بن حزن القشيري ، رحمه الله ، قال : شهدت يوم الدار ، حين أشرف عليهم عثمان . فقال ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي . فجئ بهما كأنهما جملان أو كأنهما حماران قال: فأشرف عليهم عثمان، فقال : أنشدتكم بالله والإسلام : هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب إلا بئر رومة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يشتريها ويجعل دلوه فيها مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة ؟ فاشتريتها من صلب مالي ، وأنا اليوم أمنع أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر قالوا : نعم . قال: وأنشدكم الله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يشتري بقعة آل فلان ، فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة ؟ فأشتريتها من صلب مالي . وأنا اليوم أمنع أن أصلي فيه ركعتين ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : وأنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من جهز جيش العسرة وجبت له الجنة. وجهزته ؟ قالوا: اللهم نعم . قال : وأنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون إني كنت على ثبير مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض ، فركضه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله ، وقال: اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان فقالوا: اللهم نعم . فقال: الله أكبر شهدوا لي بالجنة ورب الكعبة ثلاثا)4 1- الكهف 107- 108 2 - الإسراء-19 3 - أخرجه ابن أبي عاصم في « السنة » رقم 1243 4 - رواه الترمذي كتاب الأحباس ، وقف المساجد . 1305 والبيهقي في السنن الكبرى . 168 / 6 عن ثمامة بن حزن القشيري رحمه الله من كتاب (كن من أهل الجنة)