أرسل لي الأخ الوزير الشهيد غازي الصادق، رسالة في يوم الجمعة السابع عشر من أغسطس 2012م الموافق التاسع و العشرين من رمضان 1433ه و لكأنه بتلك الرسالة يودعنا جميعاً، و هو يعد نفسه للقاء المولى عز وجل، و يظهر هذا الإحساس بقراءة نص الرسالة التي بعث بها، و هي كما يلي: ( أسأل الله أن يجعلنا من الفرحين يوم لقائه، المستبشرين برضائه، الراجين رحمته، و صحبة نبيه و شفاعته و قبول الصيام و القيام و عيد سعيد و مبارك - غازي الصادق). و الرسالة التي تبدأ بالدعوة ليكون لقاء الله فرحاً، وإستبشاراً بالرضى و القبول، و الرجاء من الله الرحمة، والصحبة لنبي الله المصطفى من أجل الشفاعة ثم الدعاء بقبول الصيام والقيام، ليصبح الختام سعادة بالعيد المبارك، هي رسالة حققت لأخينا الشهيد مبتغاه، فكان لقاؤه بالمولى عز و جل في يوم عيد الفطر، و ما أعظم مثل تلك الخاتمة، وما أجمل المنى، عندما تستحيل الأماني والدعوات إلى واقع، كأنما يكشف الله سبحانه و تعالى لعباده الصالحين أستار الغيب، ويقود خطاهم ليكون الدعاء سابقاً للإستجابة، والخطى تأتي قبلها النوايا الصادقات. و لم أكن من الذين يعرفون الأخ غازي الصادق، قبل أن يتولى حقيبة وزارة الإعلام، ولكن أشهد الله بأنه، بالرغم من قصر فترة تكليفه بتلك الوزارة، التي كنت أعمل فيها مستشاراً، توثقت صلتي به، بشكل لم يحدث لوزراء سابقين، فكان يستشيرني في الصغيرة والكبيرة، وينصت إلى حديثي عندما أحدثه عن هموم الإعلام و مشاكله، و لقد قال لي بالحرف الواحد، بأنه يعوّل عليّ بحكم خبرتي في مجال العمل الإعلامي، وكان صادقاً فيما يقول، ذلك لأنه كان يكلفني لأنوب عنه في معظم المناسبات التي يُدعى إليها، سواء أكانت منابر أو إحتفالات أو غيرها من أحوال تستدعي توجيه خطاب أو إيضاح رسالة. و الشهيد غازي الصادق، هو ذلك الرجل الذي قدّر الله له أن يمر في رحلة سريعة عبر وزارات عديدة، فهو الذي قضى فترة وجيزة بوزارة البيئة والسياحة، ثم إنتقل إلى وزارة الإعلام لفترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، ثم أخيراً إلى وزارة الإرشاد التي لم تنقض على بداية تكليفه بمهامه فيها أربعون يوماً، و يكفي أن الرجل خلال تلك الفترة، قد تعرّف على طبيعة إدارة الدولة في مرافق مختلفة، و كان ختام رحلته أنه رافق السيد الرئيس لحضور مؤتمر مكة الإسلامي، فأدى شعيرة العمرة، لكي تكون الرحلة الخاتمة، هي رحلة الإستشهاد و لقاء المولى عز و جل، التي سبقتها تلك الرسالة الموجهة لي و لآخرين، سائلاً الله أن يفرح بيوم لقائه. فلتهنأ أخي غازي الصادق، في جوار رب رحيم و جنات خلد تجري من تحتها الأنهار، و مقعد صدق عند مليك مقتدر. و هكذا يقدر الله سبحانه وتعالى للصادقين والمخلصين مسار رحلة الحياة لتكون التجارب التي يقفون عليها وينالون من دروسها، تساوي عشرات السنين، لكنها وفي حقيقتها لم تستغرق سوى أشهر معدودات، ومن كان يمكن أن يخطط لنفسه بأن يتسنم مسئولية لثلاث وزارات في أقل من نصف عام من الزمان. إنه هو ذات الذي حدث لشهيدنا غازي وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، سائلين الله أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة ويهبه الفردوس الأعلى برفقة جميع شهدائنا الأبرار الذين وهبوا أرواحهم رخيصة في سبيل عقيدة هذه الأمة و عزة أهلها.