تقول الطرفة إن الأبناء أخذوا والدهم لمقابلة طبيب العيون بعد أن ضعف نظره ولم يعد قادراً على الحركة الطليقة... وطبيب العيون أجرى الفحوصات الأولية على المريض وقرر أن يجري له فحص النظر ليعرف درجة معدل الإبصار في عينيه... ولهذا فقد أجلسه على الكرسي المخصص للفحص ووضع رأسه بحيث يقاصد اللوحة الضخمة المعلقة على حائط الغرفة والتي تظهر عليها بعض الرسومات ذات الأحجام المختلفة في سطور يصغر حجم الكتابة فيها تدريجياً من الأعلى وإلى الأسفل.. ثم إن الطبيب بعد أن أجلس المريض سأله أن يقرأ الحرف المؤشر عليه.. وكان رد المريض «الحرف ياتو؟!» والطبيب قال للمريض «الحرف الذي نؤشر عليه في هذا السطر» والمريض قال «السطر ياتو؟!» .. والدكتور قال «السطر الذي يظهر ضمن هذه الكتابة» والمريض قال «الكتابة ياتا؟!» والدكتور قال «الكتابة التى على هذه اللوحة» والمريض قال «اللوحة وين؟!» والدكتور يغضب ويقول بصوت حاد (اللوحة المعلقة على هذه الحيطة) والمريض يرد قائلاً «الحيطة ياتا؟!» وعند ذلك يقول له الطبيب «قوم يا زول إنت ماك نافع وعلي الطلاق تاني ما حتشوف». ويخرج الرجل من عيادة الطبيب وهو على قناعة بأنه «ماحيشوف تاني»... وبالأمس قلت لأحد أولادنا أن هناك نزاعاً في حزب الأمة انتهى بإعلان زعيمه الصادق المهدي بتعليق عضوية مادبو والإعلان عن أن مبارك المهدي يعمل لمصلحة دولة أجنبية وله اتصالات بجهات خارجية... وولدنا رد عليَّ قائلاً (مادبو منو ومبارك منو؟!) .. قلت إن مادبو شخصية بارزة في حزب الأمة وله تأثير شعبي وبُعد قومي أما مبارك فهو ود الفاضل المهدي.. وقريبنا سأل «الفاضل منو؟!» قلت له الفاضل المنشق على الحزب.. قال «الحزب ياتو؟!» قلت حزب الأمة جناح شنو ما عارف.. قال «حزب الأمة بتاع منو؟!» قلت حزب الأمة بتاع ناس أولاد المهدي... قال «أولاد المهدي وين؟!» وأخيراً انتهى النقاش بنفس طريقة المريض العميان الذي لم يتمكن من رؤية الحيطة الموضوع عليها اليافطة المكتوب فيها السطور التي فيها الحرف الذي لم يراه العميان.. ومن بعد المناقشة مع ولدنا «السياسي» الذي عمره الآن فوق الثلاثين والذي لايعرف أن هناك حزبًا اسمه الأمة جناح مبارك أو أن هناك زعيمًا اسمه مبارك وأن الحزب يتبع لبيت آل المهدي اقتنعنا تماماً بأن أحزابنا السياسية قد انتهت تماماً وتأكّلت وذابت وذهبت ريحها «وراحت شمار في مرقة» ولم يعد باقياً منها غير الأطلال.. ومعظم شبابنا اليوم والذين يمثلون 65% من حجم السكان وأعمارهم مابين الثلاثين والخامسة والثلاثين وهؤلاء كانوا أطفالاً عندما قامت الإنقاذ كلهم مثل ولدنا «بتاع الحيطة» لا يعرفون حزب الأمة جناح مبارك وتفاصيل تشكيلاته ويتذكرون فقط أن مبارك الفاضل هو الذي كان يقول للأمريكان أن هناك مستشفى آخر فاضربوه وأن السودان يملك مصانع للأسلحة الكيميائية... وما يحدث الآن في حزب الأمة من التفكك والتشرذم والتبعية لأحزاب اليسار واحتكار الزعامة بالتوريث يشير إلى ما ذهبنا إليه ويكفي فقط أن تصريحات الزعيم حول أهم أحد أركان حزبه وهو مبارك الفاضل يقول فيها إن مبارك المهدي يسعى لإحداث انشقاق في الحزب لصالح دولة أجنبية.. وإن مبارك الفاضل يسير في خط مقاوم للحزب ولأجهزته وما يفعله يعد اختراقاً واضحاً.. وأن مبارك قد فشل كزعيم وتفرق جمعه وله اتصالات خارجية حصل منها على عائدات وإمكانات مادية وهو بالطبع ما يقرب من ممارسة العمالة والارتزاق أو هو العمالة بعينها. (مضافاً إليها بالطبع العمالة للأمريكان وللجنوبيين والحركة الشعبية وباقان وعرمان). ذلك ما قاله الصادق المهدى في ابن عمه وأحد قادة حزبه المنشقين، وهو نفس ما يجعل ولدنا بتاع اليافطة بتاعة الحيطة يتساءل قائلاً «مبارك منو؟!» ونقول مبارك الفاضل؟! فيقول الفاضل منو؟! ونقول الفاضل المهدي.. ولا نستبعد أبداً أن يتساءل ولدنا قائلاً «المهدي بتاع منو؟!!» كسرة: يحتاج «الزول» إلى ما لا يقل عن ثمن رطل من السعوط يومياً إذا كان مداوماً على استعماله.. ومن جملة أربعة ملايين جنوبي يحتاج مليون منهم إلى حوالى مائة وخمسة وعشرين ألف رطل يوميًا وهذه تعادل حوالى خمسين ألف كيلوجرام والتي تعادل خمسين طناً في اليوم وتبلغ قيمتها حوال« خمسمائة مليون جنيه بالقديم في اليوم. وهذا يعني أن ربع الجنوبيين يحتاجون إلى صعوط بس بقيمة مائة وثمانين مليار جنيه بالقديم سنويًا. ومن المؤكد أن ميزانية وزارة المالية لا تستوعب مثل هذا النوع من الاستهلاك الهامشي الذي لا يقابله أي عائد... سؤال!!! متى سوف يتم ترحيل الجنوبيين من السودان إلى بلادهم التي قالوا إنها جنة عدن وصوتوا للاستقلال بها بنسبة 99.9% . بل قال زعيمهم باقان «باي باي لوسخ الخرطوم، باي باي للإسلام باي باي للعروبة باي باي للعبودية» ولماذا يستمر الجنوبيون في الإقامة في بلاد الوسخ وبلاد العروبة وبلاد الإسلام وبلاد العبودية وبلاد المندكورو... «لماذا لا يمشيتوا إلى بلاد تاع إنتكم»....