أولاً نأسف جداً لإثارة هذه الرسوم مرة ثانية بحجة حرية التعبير، ونحن أمة الإسلام لا نسيء لأحد من الأنبياء، كما قال تعالى شهادة لهذه الأمة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا). ونعتقد أن الأنبياء دينهم واحد وشرائعهم مختلفة.. وهؤلاء إن كانوا سفهاء فينبغي لعقلائهم أن يكفوهم عن هذا الصنيع حتى لا تصيبهم اللعنات ويأخذهم العذاب العاجل في الدنيا قبل الآخرة فإن التعرض للأنبياء يُسخط من في السماء. وقد ذكرنا في ردنا هذا جزءًا من كلام عقلاء أهل الكتاب وعظيم الروم هرقل. وعلى الدول الإسلامية والعالم الإسلامي أن يهتم بقضية الدعوة إلى الله وترجمة الكتب الإسلامية حتى تصل إلى كهوف هؤلاء المضللين وحتى تقام حجة على العالمين ليحيا من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة. لا شك أن الأمة الإسلامية في هذه الأيام تمر بأحرج أوقاتها وذلك لجهل كثير من أبنائها بحقيقة الإسلام وسعي أعدائها في تشويه صورة الإسلام وغزوه فكرياً وعسكرياً زعماً منهم لمحاربة الإرهاب وإيجاد إسلام مسالم يتماشى مع بقية الأديان من اليهودية والنصرانية والله تعالى يقول في كتابه (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ). سورة البقرة الآية «109» ويقول سبحانه: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) سورة البقرة الآية «120» فهذه الآيات تبين حقيقة هؤلاء الصنف من الناس أنهم أهل حقد وحسد وأنهم لا يرضون عنا أبدًا حتى نكون تبعاً لملتهم وليس بالمستغرب أن يقوم في هذه الأيام ذلك الصحفي الدنماركي ببث صورة قبيحة يزعم أنها للنبي صلى الله عليه وسلم ليعبر عن حقد توارثه على الإسلام وعلى خاتم الأنبياء والمرسلين فكيف يسلم منهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهم من (الَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا) وكيف يسلم منهم وهم الذين قالوا على مريم (بُهْتَانًا عَظِيمًا) وهم الذين قالوا (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) وما زال النصارى إلى يومنا هذا في شك وهم يرتدون الصليب على صدورهم أقتل المسيح وصلب أم رفع ليخلص البشرية من الخطيئة كما يزعمون، وأما اليهود فهم لا يستطيعون أن يقولوا إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم كما قالوا من قبل وليس ذلك خوفاً من الله ولكن من النصارى الذين ملكوا مشارق الأرض ومغاربها فلا يجدون شيئاً أسهل من الطعن في الإسلام وفي نبيه عليه الصلاة والسلام. فإذا تقرر هذا فاعلم أخي المسلم أن هذه هي حقيقة اليهود والنصارى وقد قال الله تعالى: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ). واعلم أخي المسلم أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين قال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) وقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) واعلم أيضاً أنه وصّى جميع انبياء بني إسرائيل قال تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). فهذا القرآن لم يترك شيئاً قد التبس أمره على الناس إلا بيّنه ولم يترك لهؤلاء اليهود والنصارى شبهة يتعلقون بها إلا صارت كمثل رماد اشتدت به الريح في يوم عاصف قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). فهذا القرآن الكريم مصدق لما معهم إن كانوا حقاً على طريق توراة موسى وانجيل عيسى عليهما السلام، وقد قال النجاشي لجعفر رضي الله عنه والله إن الذي جاء به نبيكم وعيسى ليخرج من مشكاه واحدة، وكان هؤلاء اليهود في المدينة يبشرون بخروج النبي الخاتم ويستفتحون على الذين كفروا قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ). كفروا بالقرآن وبنبينا، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو (النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ). قال ابن كثير وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثته وأمروهم بمبايعته ولم تزل صفاته في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم وقد جاء في البخاري في قصة هرقل عظيم الروم في سؤاله لأبي سفيان وكان مشركاً أنه قال (فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أظن أنه منكم فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الاريسين (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). قال أبو سفيان فلما قال ما قال وفرغ من الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقال متعجبا: لقد أمر ابن أبي كبشه أنه يخافه ملك بني الأصفر وفي نهاية الحديث فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلِّقت ثم اطلع فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وإن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلِّقت فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال ردوهم عليّ وقال قلت مقالتي آنفًا أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت)، قال ابن حجر في قوله (لتجشمت) أي تكلفت الوصول إليه وهذا يدل على أنه كان يحقق أنه لا يسلم من القتل إن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستفاد ذلك بالتجربة كما في قصة ضغاطر الذي اظهر إسلامه فقتلوه فهذا كلام علماء أهل الكتاب وعقلائهم فلا يضرنا إذًا كلام سفهاءهم في الإسلام وفي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وقديماً قيل إذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل. وهنالك مسائل لا بد من معرفتها وهي أن سبب ضلال هؤلاء هو أولاً الجهل واتباع الهوى والغلو في البشر والاتباع الأعمى للأحبار والرهبان قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ). وقال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَم). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي لم يقم منه (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه البخاري ومسلم وفي الصحيحين أيضاً من حديث أم سلمة وأم حبيب (ذكرنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من الصور قال أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق يوم القيامة) قال الإمام النووي قال العلماء إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في التعظيم والافتتان به فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية. وأخيراً أناشد المسلمين أن لا يكترثوا لكلام هذا الكاتب الحاقد في النبي صلى الله عليه وسلم فإن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قد رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود والشفاعة الكبرى وهو سيد ولد آدم ولا فخر وكلام هذا الكاتب ورسومه التي عرضها أشبه بالهذيان والجنون وقد سمعنا أخيراً أنه وُجد محروقاً إلى جوار كنيسة (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) فعلى المسلمين أن يهتموا بأمر دينهم وبيانه للناس فالله تعالى يقول: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونََ) هذا جزء من رسالة معروضة للطبع وتضمنت أسباب استهداف الأمة الإسلامية والإسلام بين التطرف والاعتدال. وصلى الله وسلم على نبينا محمد