فنحن حين نتجه لإلقاء إدارة الطيران المدني في المزبلة يحدِّثنا خبراء أفذاذ بأننا نلقي الطيران السوداني ذاته في المزبلة.. ويحدثوننا عن علاقات معقّدة هناك تجعل الأمر جراحة في الظلام. { ويشيرون علينا بأن نحمل وثائقنا على الأباعر ونجعلها تجثم أمام باب السيد علي عثمان.. وسوف نفعل!! { والأمر كله كان يمكن أن يتم في هدوء لولا أن السيد مدير الطيران يتشبث بكرسيه الذي يهوي به والبلاد إلى جهنم. { والسيد هذا حين تهوي عليه مطارقنا يلجأ إلى أغرب الأشياء، فهو من هنا يبعث إلينا بالوساطة بعد الوساطة لنسكت وهو من هناك يصدر بيانات التهديد والتكذيب. { والسيد مدير الطيران في بيانه يزعم أننا في كتاباتنا لا نراعي مشاعر أهل الشهداء.. بينما هو /الذي يقتلهم/ يذهب إلى القضاء لإسكاتنا مراعاة للمشاعر هذه. { مثل هذا بقية بيانه نهار الخميس { لكن الرجل «الواعي» يتجنب تماماً الإشارة إلى فساد كثيف وشركات وثعابين نشير إليها بقوة ونعد بالحديث عنها.. وما نزال.. { ثم نحدث عن «حقيقة» الاستقالة.. وعن «حقيقة» لجان التحقيق.. وعن لجان تسرق.. وعن رجال يفصلون حين يصلون في التحقيق إلى نتائج «غير مرغوبة» وعن.. { والرجل الذي يجعل السودان الدولة الوحيدة في العالم التي يحظر العالم طيرانها.. لما كان يصدر بيانه نهار الخميس كانت طائرة «أخرى» تنجو من كارثة جديدة!! { ونتجة بحمل البعير من الوثائق إلى مكتب السيد علي عثمان. { ولعلنا هناك نلتقي بأسر الشهداء الذين يطلبون التحقيق «الحقيقي».. ويطلبون الإقالة.. فالرجل مدير الطيران الذي لم يتقدم باستقالة بعد سقوط الطائرة الأولى والثانية والعشرين.. يتقدم باستقالة مزيفة بعد حادثة تلودي لأنه لأول مرة ينظر فيجد الناس يحملون العصي هذه المرة.. { والاستقالة نحكي حكايتها الحقيقية حتى وإن حدثنا من ينطق باسم الفريق وزير الدفاع حديثاً «مؤسفًا» { فالرجل هناك المحترم جداً عندنا يحدِّثنا حديثًا يختلف تماماً عمّا نعرفه من الحقائق!! { وحتى ذلك الحين نتجة إلى الخطر الآخر الحقيقي والضخم والممتد.. الذي يهدِّد وجود السودان ذاته. «2» { والتدمير يبدأ بعد شهور قليلة من قدوم الإنقاذ.. { ويبدأ عبر الجنوب.. وعبر خطة خبيثة دقيقة. { وبعض غرائب حرب التدمير تصل درجة تجعل الخرطوم تعين الانفصاليين من الجنوب ضد الوحدويين..( محادثات نيفاشا المغلقة كان في جوفها محادثات مغلقة حتى على أعضاء الوفدين.. «محادثات بين علي عثمان وقرنق هي ما يصنع الاتفاق الحقيقي. والذي حين تعرفه مخابرات أمريكا وألمانيا والنرويج .. تقوم باغتيال قرنق). { ثم الفتر ة الانتقالية والسنوات الخمس التي كانت مهمتها الوحيدة هي التمهيد لما بعد ذلك «وإطفاء الجذوة الدينية واختراق مواقع المال والأمن والمجتمع و.. صنع متعاونين يتخطون ما وصلت إليه الأحزاب و.. وكل ما شهده الناس من باقان وأصحابه إنما كان جزءاً يمهد لما بعد الانفصال. { ولا نجزم بأن وثيقة الترابي/ قرنق كانت جزءاً من ذلك لكن ساقيتها كانت تصب في المزرعة ذاتها. { وانقلابات سرية .. كانت جزءاً مما هناك. { وموجة لإبعاد الإسلاميين من كل مرافق الدولة كانت جزءاً مما هناك «وأجهزة الأمن تتحول إلى خلايا منفصلة لا تعلم شمالها ما تصنع يمينها». { والإعلام يحفر ساتراً يجعل الناس ينسون كلمات مثل «شريعة دين دستور إسلامي جهاد» والتكبير في الاجتماعات من يرفعه ينظر الناس إليه في دهشة ويشعر هو بالحرج. { كل هذا كان مصنوعاً بدقة.. وحرب الاستخبارات تصنع هذا. { لكن حرب الاستخبارات تصنع كذلك ما تراه حولك في الطريق. { ولعلها هي ما يجعل كل مشروعات الإنقاذ المذهلة ترتد على أعقابها الآن { مطاحن الدقيق نكتب عن كيف تدمّر. { وشركات إنتاج اللحوم والأسماك والدواجن.. تدمَّر. { وشركات ومصانع للسكر تُطرد إلى إثيوبيا نحدِّث عنها من قبل. { ومصانع للسكر تخرب مثلما حدث في مصنع النيل الأبيض. { وجهات تطرد شركات اللحوم المصرية والخليجية إلى البرازيل. { وشركات وجهات تصنع الآن بالزراعة ما تفعل. { ولا ندري إن كانت جهات أخرى هي ما يصنع وزير المالية ومدير الطيران ليفعلوا بالبلاد ما يفعلون الآن أم هي مجرد مصادفة. { ولعل كل شيء سليم.. وأن ما نشير إليه ليس إلا خيالات مريضة { والدولة لعلها تُحكم إدارة كل شيء بصورة سرية رائعة. { لكن السرية هذه وعدم الفهم هذا هي ما يجعل الناس يظنون ظن السوء بالدولة وأضخم ما تريده المؤامرة يقع. : وأعظمه الانفصام «الآن» بين الدولة والقاعدة. إكمالاً لحرب التدمير الممتدة. «3» { والحرب تبدأ بجملة يطلقها علي الحاج في فرانكفورت أول عام 92.. «ومثير أن كلمة علي الحاج التي صنعت الانفصال تبدأ في ألمانيا.. فرانكفورت.. وأن علي الحاج يقيم منذ الانفصال في ألمانيا.. وأن محادثات نيفاشا تبدأ في هايدلبيرج في ألمانيا.. وأن محادثات أبوجا تبدأ في ألمانيا وأن المخابرات الألمانية هي من صنع كل قادة تمرد الغرب... و...» { ودكتور سلمان محمد سلمان في سلسلة مقالات ممتعة يذهب إلى الجمع بين أحداث وتفسير بعضها ببعض ومنها أن منقستو يسقط عام «1991» الإنقاذ ساهمت في إسقاطه بعد أن فشلت في إقناعه بإيقاف دعمه لقرنق.. { وفي العام ذاته كان فصيل الناصر «أكول ومشار» ينشق على قرنق بدعم من الخرطوم و... {وتبدأ رقصة الذئاب { وفصيل الناصر لكسب الدعم الذي يريد هدم السودان يعلن دعوة للانفصال { بعدها وفي 25 يناير عام 1992م السيد علي الحاج في فرانكفورت يوافق على كلمة «تقرير المصير». { المسمار الذي ظل السيد علي عثمان يسعى لنزعه بأصابعه العارية حتى «نيفاشا السرية» والمخابرات العالمية تهزمه. { فالمخابرات كانت تلقي «بالإيقاد» في الشق هذا حتى لا يلتئم أبداً. { ولعلها ملحوظة ممتعة أن نشير إلى أن منظمة الإيقاد التي تتولى فصل السودان لم تقم في حياتها كلها بعمل آخر قط.. لا في السودان ولا في غيره.. { وفي نيفاشا السرية «في جوف نيفاشا المعلنة» يتفق قرنق وعلي عثمان على الوحدة وعلى كل ما يُثار «الآن» من قضايا. { والأمر حين يتسرب لمخابرات أمريكا وألمانيا والنرويج البريطانيون أُبعدوا يصبح هؤلاء بين خطة تقوم على :«إبعاد» البشير بصورة ما ليصبح قرنق رئيساً للسودان كله بصفة قانونية. { وبين اغتيال قرنق { والأولى تُستبعد لأن لهيب الشمال كان شيئاً يحرق الخطة الأولى بقوة { بينما الثانية تفعل ما حدث بالفعل نيفاشا تخنق الشمال ثم الانفصال متابعة لما بدأه على الحاج ثم بأسلوب الزيت يتمدد الجنوب إلى الشمال { والتمدد يبدأ من الغرب ونحكي الحكاية. { وقطاع الشمال يستأنف مخطط التسلل لمفاصل الشمال. { وخنق البترول و... { ومدهش أن كل شيء كان دقيقًا ثابتًا منظماً. { وعملاء الجنوب في الشمال نحكي حكايتهم ابتداء من «ملف» يجعل فتحي أحمد علي يقود جيش قرنق ضد الشمال. { وحكايات آخرين يشتركون في تأليف قصة اغتيال مبارك.. { وآخرين مع واشنطون يخططون «لشفط» ثروات الشمال إلى أي مكان خارج السودان. { وآخرين لطرد الشركات الأجنبية من السودان. { ولا تكاد تجد مصيبة مما يجري اليوم إلا وجذورها هناك. { ونستمع لما يفعله مدير الطيران لشهادات أعظم خبراء الطيران في السودان ونصف العالم. { ومنهم اللواء صافي النور الذي كان مديراً للطيران والذي كانت البلاد في عهده تحلق طائراتها مثل الحمام. { ودكتور الزين أعظم خبير طيران والمشارك في أضخم مجالس العالم للطيران { وكلهم وأمثالهم يقولون إن محمد عبد العزيز يقود البلاد إلى الكارثة { وكأنها جزء من مخطط التدمير الممتد. { ومحمد متشبث بكرسيه يشتمنا. { وشيء واحد هو ما يجعلنا نسكت. { هو أن يدعونا محمد عبد العزيز إلى رحلة على إحدى طائراته على شرط أن يكون معنا.