قبل أن يشتهر باسم «ملس زناوي» كان اسمه منذ ميلاده هو «ليغيس» فقد غيَّر به اسمه الأصل تيمناً بمواطن إثيوبي شيوعي معارض أعدمته الحكومة الإثيوبية حينها برئاسة منقستو هايلي مريام اللاجئ منذ إطاحته عام 1991م في زمبابوي. وكان ملس زناوي المتحدّر من منطقة عدوة بإقليم تقراي في شمال إثيوبيا مؤسساً لمنظمة سياسية ماركسية تتبنى الفكر الشيوعي الإلحادي الذي يناهض الأديان والرأس مالية غير الحكومية مع أنه إلى أن مات كان معروفاً بأنه من أقوى وأبرز حلفاء الولاياتالمتحدةالأمريكية في إفريقيا رغم خلفيته الماركسية الشيوعية، وكان قائد حركة التمرد في جنوب السودان قبل انفصاله جون قرنق يدّعي تبنيه للفكر الماركسي والمنهج السياسي الشيوعي وذلك حينما كانت معسكرات حركة التمرد داخل إثيوبيا التي كان يحكمها منقستو وهو الآخر كان يدّعي أنه شيوعي، ترى هل كانت ظاهرة ادّعاء اعتناق الشيوعية وقتها خدعة لجلب الدعم من موسكو عاصمة الاتحاد السوفيتي أو يوغسلافيا أو تشيكو سلوفاكيا؟! .. إن جون قرنق قال لمعمّر القذافي: «أنا مؤمن بالكتاب الأخضر».. وهو الكتاب الحقير الذي ادّعى القذافي تأليفه يحكم به ليبيا منذ عام 1975م بعد ست سنوات من انقلابه في 1969م.. لكن قرنق كان يريد الدّعم من خزينة الشعب الليبي ليحارب به من أجل انفصال جنوب السودان أو حكم السودان. ويبدو أن ملس زناوي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي وإطاحة منقستو وكلاهما جاء في وقت واحد يبدو أنه أيضاً كان يسعى لجلب الدعم من موسكو لتمويل قوات حركة تحرير إقليم تقراي التي كانت تناضل من أجل الاستقلال عن إثيوبيا، تماماً مثل إريتريا غير أن الفرق هو أن الأخيرة كانت مستعمَرة إيطالية لكن تقراي كان جزءًا من إثيوبيا التي تمتعت بالاستثناء من الاستعمار الأوروبي بسبب الظروف الدينية. فإذا كانت حملات الغزو تقف وراءها الكنائس لتلعب دورها ما بعد الاحتلال فإن إثيوبيا كانت الدولة الوحيدة التي تحت حكم كنسي صليبي «وطني». لذلك لا حاجة إلى احتلالها مع إريتريا المسلمة، لكن حركة تحرير إقليم تقراي التي قادها مليس زناوي أرادت استقلال الإقليم الإثيوبي في عهد منقستو، وبعد إطاحة الأخير كانت الترتيبات الأمريكية تضع «عميل واشنطن» زناوي في قيادة إثيويبا، فقد ذهب ولاؤه الشيوعي إلى واشنطن وهي قبلة كثير من الشيوعيين بعد تحطم الاتحاد السوفيتي الذي كان يشكل بقدر كبير عنصر توازن للقوى الدولية في وجود القوة الأمريكية التي أصبحت وحدها صاحبة الهيمنة العسكرية والاقتصادية. والأمر الذي يبدو غريباً أن الحكومة الإثيوبية قد آثرت دفن جثمان الزعيم التقراوي «العلماني» رئيس الوزراء ملس زناوي في كنيسة الثالوث الأقدس، وهي وسط العاصمة أديس أبابا الواقعة في إقليم أمهرا. فزناوي علماني ملحد لا علاقة له بالكنائس ولا يؤمن بها، وإقليم أمهرا الذي حُفر فيه قبره لا ينتمي له بل ينتمي إلى اقليم تقراي الذي كان يعمل من أجل انفصاله من إثيوبيا. فهل كانت هذه الفكرة الحكومية حتى لا يتحمّس أبناء إقليم تقراي من جديد لتنفيذ فكرة الاستقلال بعد إحيائها حينما يكون قبر قائد تحرير الإقليم في يوم ما بمسقط رأسه؟!.. إن زناوي من شمال إثيوبيا وخليفته «الانتقالي» هايلو مريام من جنوب إثيوبيا وربما كان دفنه في خارج إقليمه من أجل الحفاظ على استمرار ربط تقراي بالدولة الإثيوبية خاصة أن الدستور الإثيوبي كان ابتداء يمنح كل إقليم حق تقرير مصيره، لكن الحكومة الإثيوبية تظلم إقليم أرومو المسلم وعدد سكانه أكثر من عشرين مليونًا في هذا الأمر ربما لمنع قيام دولة إسلامية قوية هناك.. المهم في الأمر هو أن الحجة هي جعل قبر مناوي مزاراً وسط البلاد تبقى سخيفة فهو علماني ملحد يسخر من الكنيسة وحائط المبكى والمسجد.