ومضى رمضان الشهر الأعظم.. الإنسان هو الإنسان ينسى ويتناسى.. والبشرية جمعاء في صلب آدم عليه السلام.. في الجنة ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. وشرط البقاء عدم الأكل من الشجرة ولكن المعصية ارتُكبت وحل الغضب الرباني وهبط آدم وحواء وإبليس مسلّطًا عليهم إلى قيام الساعة.. يأتي رمضان ويهرع الجشع على عجل يبحث عن حاجة الصائمين ليرفع الأسعار، ويهرع أبالسة الإنس يزيدون أسعار السكر ليجعلوه مُرًا كالعلقم، ونحن نزرع السكر ونصنع السكر ومن دواخلنا المريضة يختفي السكر ولا تُجدي حتى محاولة استيراد السكر.. يأتي العيد وتبكي الأمهات والآباء والأطفال محرومون من الفرحة والتي يرونها ربما على الأجهزة الإعلامية في العالم هناك، ولكن هنا نحن على حافة المنحدر المظلم من الهامش لم يوقظ هذا الظلام إلا لهيبًا يتفجر على قمة جبل النار.. لتحترق القلوب أسى على رجال أمم ذهبوا في مهمة جليلة رتقًا للصف فاحترقوا هم والصف يذكرنا ليتنا نفهم «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون» ولكننا وأبالستنا نوسوس لأنفسنا.. إن البنيان المرصوص المحبوب من الرحمن هم، ونحن الثلة البطانة الذين يزينون طريق المزالق ويشوهون طريق النجاة.. فنضل ونشقى.. صحيح أن الموت آتٍ لا مفر منه، وأن الميتة واحدة، ولكن يجب أن نتذكر أن الموت بداية كبيرة لإحدى اثنتين.. إما جنة ومهرها طاعة الرحمن وعبادته، وإما نار وهذه مهرها طاعة الشيطان وعبادته، وأخطر ما في الأمر أن لا أحد يعلم إلى أيهما يصير، حتى عمر ابن الخطاب المبشر بأنه أول من يأتي حاملاً كتابه بيمينه يقول «يا ليت أم عمر لم تلد» ولكن تباعد الزمان وكرت العقود وجئنا نحن.. كل شيء ينطق فسادًا وينفث مكرًا.. كل حديث يتلوَّن ويتبدَّل يكذِّب بعضُه بعضًا، ونحن نظن أننا أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. نحج ونعتمر ولا يسبقنا إلى ذلك أحد ونصوم ونقوم.. وصلاة لا تنقطع وفي المحافل تمتلئ الأفواه بآيات الله حتى تشرئبّ الأعناق ويتساءل الجميع في الداخل من هذا؟ وأما القلوب فقد فضّها الزمان هي في أكنة من كل ذلك.. إنها دعوة إلى أن نستقبل رمضان كل عام ونُعد العدة بالنية الخالصة ثم نتبعها أو نسبقها بالتوبة الخالصة ثم نقيم الميزان.. والميزان المذكور هو المعنى الكبير الإيمان بالله واستقامة النفس على الصراط المستقيم وعدم تركها للهوى يلهو بها إبليس.. وإعطاء كل ذي حق حقَّه.. والانتصاف للمظلوم.. وميزان التاجر أن يوفِّر حاجة الناس ويربح الربح الذي عاهد عليه الله وليس الحكومة وعدم إخفاء السلع بغرض الربح المضاعَف.. والغرف التجارية واتحادات المزارعين والغرف التجارية لمراقبة وضبط المحتكرين حتى لا يضطر الصغار من التجار والمزارعين للتسلبق في الإضرار بالفقراء والمساكين برفع الأسعار فتصير استحالة الحياة إلا بذل.. أو الإجرام واستحلال ما في أيدي الآخرين.. والاتحادات والنقابات الخدمية الأخرى.. وفوق هذا وذاك الحاكم العادل الذي يبسط سطوته وسلطانه لإقامة ذلك.. فميزان المسؤول عنه هو أن يقيم على الناس القوي الأمين في كل مرفق ويستشير ولا يشفع عنده.. ويغير ويبدل كلما ارتج الميزان منبهًا إلى خلل أو أمر من الحادثات.. فالارتجاج مصيبة صغرى ستكبر إن لم يعالج.. ونحن نحمد الله فقد رجّت الحياة بالحادثات.. ولا جديد إلا أن يخرج أحمد بشباك صغير ثم يأتينا أحمد من الباب الكبير!! وفيوض الرحمة الإلهية ما تزال تحملنا حمل الكرامة مع السلامة.. ولكن الكوارث مؤشرات والحوادث دلالات.. فنسأل الله ألا نستنكف أن نسأل أنفسنا من أين أتى هذا؟ وإلى أين يقود ؟ وأين إبليس اللعين؟ وكم بقي من عمر؟ وأين غدي وقبري حيث تنتهي الأسباب والأحوال ويبدأ وينتهي تخليص الحساب فريق ركن أول / محمد محمود محمد جامع