حوار: روضة الحلاوي تصوير: متوكل البجاوي تفجَّرت الصراعات مجدداً داخل حزب الأمة وتبعتها تغيُّرات داخله رغم المعالجات التي أُعلن عنها في اجتماع اللجنة المركزية، كما لم تضع حداً لهذه الصراعات التي يرى الكثير من قيادات الحزب أن تطلعات مبارك الفاضل ومجموعته سبب مباشر لها، ولقراءة مآلات هذه الصراعات وأسبابها جلست «الإنتباهة» إلى القيادي بكري عديل عضو المكتب السياسي وطرحت عليه عدة تساؤلات، فحمّل في إفاداته الصادق المهدي المسؤولية كاملة بأنه لا يريد أن يتم الحديث عن بعض القضايا في الحزب ويتحاشى الدخول في الصراعات، بينما يرى أن مبارك أكثر جراءة وشفافية ووضوحاً في تناوله قضايا الحزب بجانب حديثه عن المفاوضات الجارية في أديس أبابا والتي توقع أن تنتج نيفاشا جديدة وأنها لن تفضي لحل شامل مبدياً مآخذه على المفاوض السوداني وإصرار الحزب الحاكم على قيادة المفاوضات دون إشراك للقوى السياسية الأخرى، فلنتابع الحوار في هذ المساحة: هل حقيقة أن اللجنة المركزية فشلت في وضع حد للصراعات داخل الحزب؟ في كل لقاءات الحزب كنتُ أتحدَّث عن عدم جدوى انعقاد اللجنة المركزية في تلك الظروف لأنها سوف تعقِّد القضايا المطروحة أمام اللجنة، فالحزب منقسم لعدد من الكتل التي يناوش بعضُها بعضًا وتسعى لإبعاد بعض الأطراف المتنازعة عن أجهزة الحزب. مع الأسف الشديد ما كنتُ أتوقعه قد حدث من أول جلسة للجنة المركزية، حيث بدأت بوادر الخلاف والشقاق والكيد تظهر، وذلك قاد للعراك الموجود الآن في دوائر الحزب، فالقضية متأصلة وأجهزة الحزب المشتبكة الآن ظلت في هذا الحال منذ مدة طويلة إلى أن انعقدت اللجنة المركزية في ذلك الجو المشحون بالمكائد والذي أدى إلى إبعاد عدد مقدَّر من قيادات الحزب، لأسباب أقنعتهم بأن لا جدوى من الاستمرار في ممارسة النشاط الحزبي في حزب الأمة.. وبحسب رؤيتي فإن أجهزة الحزب التي من المفترض أن تكون في حالة تعاون وتنسيق بعضها مع بعض ظل بعضها يبحث عن أخطاء بعضها الآخر حتى وصل هذا التحرك إلى شكّ في قيادة السيد الصادق للحزب في الظروف الحالية. هناك من يرى أن مبارك ومادبو أصبحا بؤرة لتفجُّر الصراعات داخل الحزب؟ مسألة مبارك ومادبو وغيرهما كان من الممكن أن تُحتوى إذا تحقق الأسلوب الديمقراطي الذي يتحدَّث به الحزب، ولكن هناك شعورًا بأن الديمقراطية المنصوص عليها في دستور الحزب ليست مستقيمة، ومسؤولية تصحيح الأخطاء تقع بنص الدستور على عاتق رئيس الحزب والأجهزة المتعاونة معه، لكن الآن التعاون المنشود غير موجود بطريقة سليمة، وأصبح البحث داخل أجهزة الحزب عن إبعاد «زيد وعمرو» بينما الأوجب أن يتم البحث داخل الحزب عن كيفية إزالة الاشتباك، وبالتأكيد المسؤول الأول عن كل ذلك هو رئيس الحزب والأجهزة القيادية التي تعاونه. ما رأيك في الثورة التي تطالب بالتغيير في قيادة الحزب وتظهر من حين لآخر كمحرِّك أساس للصراع؟ من حق أي عضو ينتمي لحزب الأمة أن يطالب ويسعى للتغيير في القيادة وهذا حق مكفول لأي شخص من القيادة للقاعدة، وهذا حق لا يستطيع أي عضو في الحزب أن ينكره على الآخرين حتى إذا كان هذا الشخص رئيس الحزب أو رئيس المكتب السياسي، «لو ما كده ما كان في داعي لقيام الأحزاب»، والحديث عن الديمقراطية وعلى حسب علمي الإخوة المقترح فصلُهم من الحزب لم يستنكروا أشياء معينة وممارسات معينة بل قالوا إن الحزب تنقصه الديمقراطية وإن الأمر كله بيد رئيس الحزب والأسرة، وهذا اتهام تلوكه الألسنة كثيراً، فكان ينبغي أن تعزِّز قيادة الحزب جهدها لاستجلاء الحقائق ووضع الرأي العام الحزبي والآخرين في الصورة وفي حقيقة ما يحدث، لكن المراقب يرى أن الجهد مع الأسف كله مبذول في اتجاه الخلاص من الطرف الآخر، أما إصلاح الحزب وإزالة أسباب الجفاء فلا أحد يتحدَّث عنها. أنا حزب أمة منذ أن نشأت حتى اليوم، وسأظل كذلك إذا أمد الله في عمري حتى آخره، وأمثالي كثر أعترف بأننا لا نبذل الجهد المطلوب والعمل لتسوية هذه المنازعات إذا كان ذلك ممكناً وأظنه ممكناً، وقاعدة حزب الأمة غير سعيدة إطلاقاًَ بما يدور في أروقة الحزب من مناوشات، وأنا وأمثالي ننتمي لهذه القاعدة وأتمنى أن نضع يداً فوق يد لتصحيح الأعوجاج القائم سواء من داخل البيت أو من خارج أجهزة الحزب، هذا ما أتمناه.. ما رأيك في تهديد مادبو بتكوين كيان حزبي جديد؟ الكيان الذي يتحدَّث عنه مادبو موجود داخل الحزب، «كيان ديمقراطي سليم»، فقط المطلوب تفعيل هذا الكيان وتحريك النشاط الحزبي بأسلوب ديمقراطي ليبعد أسلوب السيطرة والقرار الفردي الموجود الآن. اتفاقيات الحزب مع الكيانات المعارضة أصبحت مثار جدل وآخرها اتفاق مريم مع الجبهة الثورية؟ بطبيعة الحال تحصل لقاءات تنسيق وتخطيط وإئتلاف بين الكيانات السياسية والديمقراطية الموجودة في الساحة، لكن ذلك يتم عبر سياسات تتفق عليها الأجهزة الديمقراطية للحزب وتراقب سيرها حتى لا يفلت الأمر من القيادة، وليس غريباً أن يحدث حوار ما بين فئة وأخرى لكن شريطة أن يكون ذلك بتوجيه من الأجهزة العليا ذات الصلة بالموضوع، فإذالم توجِّه الأجهزة العليا بهذا الحوار أو التعاون يبقى المجهود الفردي ليس له أي معنى أو مبرِّر. ما فجّره مبارك مؤخراً وتبادل الاتهامات بينه وبين رئيس الحزب يمكن اعتباره إغلاقًا لمنافذ وحدة الحزب؟ ليس هناك أي مستحيل إذا خلصت النيات، وأعتقد أن القيادة الحالية للحزب في مختلف مستوياتها محتاجة إلى أن تراجع موقفها وأن تفسح المجال لحوار شامل حتى لو كان الهدف هو إطاحة بعض الرؤوس، بذلك يتمكَّن جيل جديد من العمل بأهداف ومشاركة شاملة من كل أجهزة الحزب في المركز أو في الأقاليم.. الرأي العام في الشارع السوداني وأجهزة الحزب تعطي ما يقوم به مبارك أكبر من حجمه، ومبارك ما يميِّزه أنه يتحدث بصراحة وشجاعة وحرية، وحديثه لا يختلف عن حديث أي فرد في الحزب، ولكن حديثه يوجهه للصفوة.. غير أن هذه التلميحات «المباركية» تجد صدىً عند المبتدئين في العمل السياسي.. لكن مبارك ليس له في رأيي ولم أسمع منه أنه يسعى لتكسير حزب الأمة أو القيادة، لذلك هناك تضخيم لما يقوله مبارك نكاية في الطرف الآخر، وخطورة مبارك على الصادق المهدي ليست بالحجم الذي تصوِّره أجهزة الإعلام وبعض المهووسين بالسياسة. هل يمكن القول إن ما يقوم به مبارك داخل الحزب نتاج لمرادات شخصية مع رئيس الحزب؟ على حسب معرفتي مبارك يريد أن يخلق من حزب الأمة حزبًا قويًا ديمقراطيًا سواء كان في الحكومة أو المعارضة، وهذا بالطبع يجرُّه لبعض الخطوط الحمراء التي لا يريد الصادق المهدي أن «يهبشها» شخص. هناك من يرى أن الحزب أصبح ثوبًا يتنازعه مبارك والصادق ما بين المعارضة والحكومة؟ الصادق في رأيي لا يريد للحزب أو حتى للسودان ككل أن يدخل في نزاع سياسي مع بعض الكيانات السياسية خصوصاً أن الوضع السياسي والاقتصادي في السودان لا يحتمل أي هزة، والوضع خطر للغاية، ومبارك يرى خطورة على السودان ويرى أن السكوت على أخطاء وممارسات العهد الحالي إشكالية كبرى، لذلك حصل التناقض بين ما يطرحه الصادق وما يراه مبارك، وفي رأيي مبارك آراؤه ليست شاذة وتحدَّث بها كثيرون في الحزب وخارجه.. والمشكلة الآن النزاع الذي يدور في داخل البيت وبوادر الانقسام بين الأب وبعض أبنائه وبين الرئيس وعدد من معاونيه، هذه العقد التي تحتاج لرجال الحزب الأوفياء ليجلسوا مع الجميع بحثاً عن حلول. الجميع كان يعوِّل على الأمين العام أن يكون حداً فاصلاً لمشكلات الحزب ولكن يبدو أنه فشل في قيادة الحزب لبر الأمان؟ أخ وصديق له مقدرات لكنه مع الأسف جاء في وقت وجد فيه المناخ كله مليئًا بالمشاحنات والنزاعات الأمر الذي عطّل قيام أجهزة ونشاط الحزب بصفة عامة، وهذا موقف خطير للغاية ويحتاج لعلاج سريع من رئيس الحزب والأمين العام والمكتب السياسي ورجال الأنصار ورجال الحزب في الولايات. ...؟ ليس هناك أي مستحيل إذا خلصت النيات، وأعتقد أن القيادة الحالية لحزب الأمة في مختلف مستوياتها محتاجة إلى أن تراجع موقفها وأن تفسح المجال لحوار شامل حتى لو كان الهدف هو إطاحة بعض الرؤوس، بذلك يتمكن جيل جديد من العمل بأهداف ومشاركة شاملة من كل أجهزة الحزب في المركز والولايات. كيف ترى المفاوضات الجارية الآن في أديس وهل يمكن أن تُفضي لحل شامل؟ المفاوضات عموماً والتي جرت في عهد الإنقاذ مع الجنوب فيها كثيرٌ من الخلل بدءاً بنيفاشا وحتى ما يدور الآن في أديس، وأسباب هذا الخلل كثيرة وتناولتها الصحف في كثير من المناسبات، أضف لذلك التدخلات الخارجية التي تحدث أحياناً لأغراض شخصية تُلقي كثيرًا من التشويش والاعوجاج في خط التفاوض، والأسباب لذلك كثيرة في رأيي، أولاً: ضعف الخبرة لدى المفاوض السوداني، ثانياً التدخل الخارجي من قوات معادية للسودان وتسعى للاستفادة من تحويل هذه المفاوضات لمصلحة لها، ثالثاً الحزب الحاكم «مكنكش» في إدارة الدولة بما فيها المفاوضات الخارجية بما أبعد قوى سياسية ضخمة ومقتدرة عن المشاركة والتفاوض، لذلك الذي يجري الآن في أديس أبابا لا يخرج عن هذه الأطر.