الوعد الذي قطعته القوات المسلحة بحسم معاركها مع قوات التمرد خلال أسبوعين كأعلى تقدير لتحرير مدينة الكرمك وملاحقة الجيش الشعبى «شبر .. شبر» لاحت إشاراته البليغة بعد أن استطاعت الأولى طرد فلول من الجيش الشعبي بمدينة قيسان وتقدمها في محور منطقتي باو ودندرو باتجاه الكرمك.. وبالعودة لسيناريو الأحداث فإن الكثيرين توقعوا عدم استمرار الأوضاع فيها كما كانت عليه منذ أن تفجر الوضع في توأمتها جنوب كردفان وعلى مدى الشهور الماضية كانت المياه السياسية في النيل الأزرق تجري في اتجاه الفيضان المسلح دون ترك حيز لأي فعل سياسي يخفِّف من أجواء الاحتقانات، وظل الوالي المقال مالك عقار خارج حصون الولاية متجولاً ما بين أديس أبابا ويوغندا تاركاً المجال للشائعات وطوال فترة غيابه تحركت بعض الدول الجارة لاحتواء الموقف بين الطرفين ولكنها كانت تأتي من الخارج الأمر الذي رفضته الحكومة. مايجرى الآن يعيد للأذهان تأريخ المنطقة ودحر القوات المسلحة في وقت سابق للجيش الشعبي عند احتلاله للكرمك وقيسان للمرة الأولى إبان حكم الصادق المهدي في الحزبية الثالثة، وبعد مجيء الإنقاذ واصلت الحركة الشعبية حربها ضد الإنقاذ بالضرورة وقد كان أبرز عمل عسكري قامت به في إطار صراعها ضد الإنقاذ هو احتلالها للكرمك وقيسان تحديداً في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، وكان ذاك حدثاً كبيراً جذب إليه الاهتمام العالمي والمحلي لجملة من الاعتبارات أهمها: أن ذلك الاحتلال قد يفتح الطريق أمام حركة قرنق التي ادّعت ذلك النصر الإثيوبي ونسبته إلى نفسها للوصول إلى الرُّصيرص مما يعني الوصول عملياً إلى الدمازين حيث الموارد الرئيسة لكهرباء كل السودان أو معظمه آنذاك، حتى تم تحريرها عام 2001م.. ملاحقة الجيش الشعبي تجعل الأعناق تشرئب شوقاً لإعادة دق طبول النصر من جديد بالدخول لمدينة الكرمك تأميناً للحدود الموازية لولاية النيل الأزرق، والتي يرى الخبير العسكري الفريق د. عبد الباقي محمد كرار أنها عملية فتح الطرق المؤدية للكرمك تمت بخطط عسكرية بحتة خاصة وأن منطقتية قيسان والكرمك تقعان على الحدود وهي من أنسب المناطق التي تتخذها حركات التمرد لإنشاء قياداتها وإقامة مراكز تدريبها حتى تتحرك لأهدافها في عمق الولاية بعد أن رحل إليها مالك عقار وكل قياداته.. ووصف كرار إحكام القوات المسلحة سيطرتها على قيسان بالتمكن من هدف إستراتيجي هام تم به تأمين الحدود من ناحيتها وتبقت الكرمك. ارتباط مسرح مدينة الكرمك بدول الجوار كالطريق البري الذي يربط مدن «أديس أبابا، بمباش، أصوصا، الكرمك، الدمازين» والذي يبلغ طوله 450 كم ولا يصلح لسير المركبات في فصل الخريف واختراقه لأراضٍ وعرة كثيفة الأشجار والحشائش وتكثر فيه الخيران قد يرسل إشارات بصعوبة الوصول للكرمك لطبيعة التربة بالمنطقة والتي قد تتغلب عليها قوات الجيش الشعبي لتدربها عليها جعلت الفريق كرار، يستدرك بقوله إن وجود القوات المسلحة بتلك المناطق منذ أمد بعيد لن يجعلها أقل ثباتاً من قوات التمرد، وما يجرى الآن يعني بداية الطريق لتحرير الكرمك وتأمين الشريط المواجه لدولة الجنوب الوليدة بولاية النيل الأزرق ويعتقد د. عبد الباقي بعدها عجز الجيش الشعبي عن خوض الحرب إلا عبر الأراضي الإثيوبية وهو أمرٌ استبعده لعلاقة الخرطوموأديس أبابا.