استراتيجية العلاقات السودانية المصرية التي قررتها الحتمية الجغرافية والتاريخية، وكيفية التأسيس للانتقال بهذه العلاقات للتطبيق المباشر على الارض لخدمة مصالح الشعبين، كانت هي محور المنتدى الدوري للغراء «الأهرام اليوم» الذي تناولها من زاوية «ماذا يريد السودان من مصر الجديدة؟»، بحضور نوعي متميز ضم رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي، ووزير الخارجية السابق مصطفى عثمان إسماعيل، ومسؤول العلاقات الخارجية للمؤتمر الشعبي بشير آدم رحمة، ووالي الشمالية فتحي خليل، أما إدارة المنتدى فقد تولاها رئيس التحرير عبد الماجد عبد الحميد. والكلمة الأولى كانت للإمام المهدي الذي تعرض لموضوع العلاقات المصرية السودانية عبر ثماني نقاط، مفاداها أن نظم الحكم في الشرق العربي قامت على نظم «أمنجية» متخندقة خلف حزب أو عشيرة، لذا عندما حركت ثورتا تونس ومصر بقية الشعوب العربية للتحرر تصدت لها الأنظمة الحاكمة بقوة مما أدى للتدخل الدولي والتشظي الداخلي، وتحدث عن عوامل المصير المشترك بين البلدين التي أبطلت مفعولها عدة أسباب تعود لعهد الخديوية الحاكمة بمصر، وبعضها يعود لمسألة الوحدة مع مصر، فضلاً عن تعارض السلطة الثورية في مصر مع السلطة المنتخبة في السودان، أما العوامل الموضوعية الراهنة التي تفتح باب مراجعة تاريخية لعلاقات البلدين للوصول للوحدة والمصير المشترك منها عوامل اقتصادية توجب التكامل الاقتصادي بين البلدين، وجيوسياسية في حوض النيل، وأخرى تتعلق بالوحدة الثقافية وعوامل الأمن المشترك، فضلاً عن عوامل ذاتية تعود إلى أن النظامين في السودان مصر ينتميان لأصل إخواني مشترك، ومن تلك النقطة بدأ المهدي وكأنه يحذِّر النظام المصري من دعم نظام السودان الذي يواجه أسباب التدويل والتشظي الداخلي حسب تعبيره، بقوله إن حدوث ذلك سيحول العلاقات السودانية المصرية لطابعها الاستقطابي القديم، وسوف يجر الحزب الحاكم في مصر كل الصفات التي علقت بالحزب الحاكم في السودان إليه، مما يسهل مهمة خصومه الكثيرين، ومقابل ذلك إذا لعبت مصر دوراً يدعم مطالب الشعب السوداني في الحرية والتحول الديمقراطي دعماً للأجندة الوطنية والملتقى الجامع، فإن عهداً زاهراً ينتظر علاقات البلدين. «مبتغى السودان من مصر هو تقريباً مبتغى مصر من السودان»، كان ذلك هو تعليق مصطفى عثمان إسماعيل على عنوان المنتدى، ثم دلف للقول إن الجديد في مصر أن العمق الشعبي للثورة والآيديولوجية التي رفعتها سيجعل النظام المصري أكثر تحرراً من الوصاية الدولية، مشيراً إلى قول مبارك إن أمريكا لا تسمح بزراعة القمح في مصر، وأضاف إن أشواقنا لعلاقات استراتيجية مع مصر لا تحجب عنا أن الأخيرة لم تستقر بعد، لتتبنى خريطة علاقاتها مع السودان، فالدولة العميقة «الفلول» مازالت هناك، ودعا إلى أن تكون علاقة البلدين بعيدة عن النظرة الحزبية والسلطوية الضيقة، وقريبة من العلاقات الشعبية المتُفق عليها، ودعا للاتفاق حول عشر نقاط جوهرية، منها الحريات للسودانيين في مصر ومعالجة قضية حلايب، وأكد أن الطريق الساحلي بين البلدين جاهز للافتتاح، ولا يعطله إلا الاتفاق على موقع المعبر بين البلدين الذي يحتاج بدوره لحل أزمة حلايب، ورفض الطرفين للتدخل الأجنبي في الدولتين، وكأنما يرد على المهدي دعا إسماعيل مصر لعدم التدخل في الشأن السوداني، بدعم حزب الأمة أو المؤتمر الوطني. بشير آدم رحمة بعد طواف تاريخي قال إن النظام بالسودان يشابه نظيره في عهد مبارك، من حيث الفقر والفساد وطول أمد الحاكم، ودعا للعمل على محو النظرة السلبية المتبادلة بين الشعبين. د. صفوت فانوس أشار لحالات الصعود والهبوط في علاقات البلدين حسب الأنظمة الحاكمة بعيداً عن إرادة الشعبين، فالسودان يريد من منظمات المجتمع المصري أن تعامله بندية وأن تطور معرفتها بالسودان، فبينما تتجه مصر في سياستها شرقاً وشمالاً تهمل الغرب والجنوب، فالرئيس المصري لا تحمل أجندته زيارة للسودان، كما يحتاج السودان لدعم مصر في المحافل الدولية والإقليمية.