الإصابة بالأمراض النفسية انتشرت في الآونة الأخيرة كثيراً لا سيما في السودان، ربما لاصطدام الإنسان ببعض الصدمات في الأسرة والمجتمع، حيث لا يستطيع مجابهة الحياة التي تستوجب كثيراً من الجهد البدني والمادي لتحقيق ما يعرف بالذات، وتحدث الإصابة ببعض الإصابات النفسية مثل الشزوفرينية التي أشهر أنواعها وأكثرها انتشاراً هي الشزوفرينية أو الانفصام الاضطهادي الذي يحدث بسبب عدم مقدرة المصاب على مواكبة التطوُّر في العالم، خاصة المجتمع من حوله، ويصاب بحالة من التخوُّف والتوجُّس، ويرى ويسمع أشياءً خيالية غير موجودة يظنّها لوحد،ه ويعتقد الرعاية الأسرية أنها شكلٌ من أشكال المؤمرات ضده، وقد يصل هذا النوع إلى حد القتل الذي ينفذه لأقرب الأقربين إليه، ولكن تسبقه أعراض وعلامات يمكن معرفتها من خلال الحوار الذي أجريناه مع دكتور ياسر محمد موسى اختصاصي علم النفس فإلى معرفة تفاصيله: كيف تعرف الشزوفرينية علمياً؟ الانفصام وهو ما يعرف بالشزوفرينية هو أحد أهم الاضطرابات الذهانية التي تُحدِث خللاً في كيمياء الدماغ، قد عرف عبر الأدبيات بالجنون أو الأمراض العقلية تميزاً عن الاضطرابات النفسية، والمعنى يعد أكثر خطورة في الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعقب حدوث الإصابة. هل للشزوفرينية أنواع؟ نعم لها أنواع عديدة أشهرها وأكثرها انتشاراً هو الانفصام الاضطهادي والانفصام البسيط. هل يمكن توضيح كل حالة على حدة؟ الانفصام البسيط وهذا النوع يوجد ويتعايش في حياتنا اليومية، أما الانفصام الأكثر خطورة فهو الانفصام الاضطهادي أو الذي يعرف بجنون العظمة وهو أكثر أنواع الانفصام انتشاراً وخطورة؛ لأنه يعتمد على أعراض رئيسة. ما هي تلك الأعراض؟ هي الهلوسة السمعية، والهلوسة البصرية، والتوهم والأوهام والمعتقدات الخاطئة، مع مصاحبة كل تلك الأعراض تدهور الشخصية ومن ثم التفكير مما جعله يصنَّف علمياً باضطرابات التفكير. هل لهذا النوع خطورة؟ هذا النوع من الانفصام يمثل خطورة عالية وحقيقية على المصاب والأسرة والمجتمع من حوله. هل سجَّل حالات عنف؟ تكرَّرت حالات العنف المسجَّلة من قِبل المصابين بالانفصام الاضطهادي التي وصلت حد القتل للأقربين للمصاب، فقد سجّلت دفاتر الشرطة والسجلات والمصالح كثيرًا من حالات القتل للأم والأب والأخ والأخت وحتى الأبناء وبهذا تصبح خطورة هذا النوع من الذهان ذات بعد اجتماعي خطير. لماذا يرتكب المصاب جريمته في الأقارب؟ لأنهم الأكثر تواصلاً ووجوداً معه؛ لأن المعتقدات الخاطئة والهلاويس التي تمثِّل أعراض الإصابة تجعله يفسِّر اهتمام الأسرة به والرعاية بأنه مؤامرة تحاك في الخفاء ضده وللتخلص منه، لذلك يكون رد الفعل بالدفاع عن نفسه. وكيف يكون رد الفعل؟ ذكرنا أن هذه الحالات سجلت حالات قتل كثيرة، فبهذا يظهر رد الفعل في شكل جريمة قتل ضد الذين من حوله والذي لا يخلو من الوحشية وهنالك بعض الفصاميين يقومون بتقطيع الضحية إرباً إرباً وقد تكون أمه. ذكرت أن الفصاميين يعيشون حالات توهم وهلاويس فهل تتخطى حالاتهم تلك الهلاويس؟ هنالك من الفصاميين كتَّاب كتبوا عن حالاتهم القصصية الخيالية وأصبحوا كُتَّابًا وقد لاقت كتاباتهم القبول عند كثير من الجمهور؛ فالانفصام الاضطهادي جعل كثيرين كتّاباً للدراما والمسرح لملء حياة المصاب التعقيدات وهم يحملون الكون والحياة كجزء من عالمهم وحياتهم وليس العكس هو الصحيح. لما سمي الانفصام الاضطهادي بجنون العظمة؟ هنالك كثيرٌ من الاستثناءات في حياة انفصام الاضطهاد، فعندما يقترن بالعظمة أو الإحساس بها التي تصل حد الاعتقاد بالعظماء، وما يميِّز حياته باعتباره ملكاً أو رئيساً كثيراً منهم يرى أنه رئيس الجمهورية، أو قائداً عظيماً للجيش، أو شخصية مشهورة محاطة بالمعجبين، وهو في هذا الاعتقاد يسهو ويمشي بذات العظمة أو خياله. هل يعتقد مصاب هذا النوع في النواحي الدينية؟ في هذا الإطار تؤدي المعتقدات الخاطئة لانفصام الاضطهاد التوهم بأنه نبي مرسل أو المهدي المنتظر أو أحد المصلحين الاجتماعيين الذين حل عليهم الوحي لتكملة الرسالة.. وفي بداية السبعينيات حدثت حالة شزوفرينيا الاضطهاد لتوأمين حسن وحسين اللذين ما زالا يمكثان بالمصحة وقد قتلا أسرتهما جميعاً وأمثالهما كثر. في أي البيئات ينتشر انفصام العظمة؟ ينتشر الانفصام الاضطهادي أو جنون العظمة في البيئة الفقيرة التي تقل فيها الموارد الطبيعية لمواجهة القدرات البشرية، مثل عدم وجود فرص عمل مناسبة مع الشهادات العلمية والحياة المليئة بالمثيرات الترفيهية كالحدائق والأنشطة الرياضية، كل هذه التطوّرات الاجتماعية تجعل من شخصية المصاب أكثر حساسية تجاه هذه التعقيدات وتجعله ينسحب إلى ذاته من المجتمع. ما هي الفئات العمرية التي تصاب بالشزوفيرينية؟ الشزوفرينية يمكن أن تصيب الإنسان في كل مراحل حياته العمرية، فهنالك انفصامات طفولة تتداخل أعراضها مع أعراض اضطراب التوحد وهنالك الانفصام في مرحلة الشباب وانفصام الشيخوخة. هل للانفصام الاضطهادي أعراض يمكن أن نتدارك بها المصاب قبل أن يشرع في ارتكاب الجريمة؟ الأعراض التي تؤدي للجريمة هي عندما يبدأ المصاب بالتوجُّس والتوهم والأوهام والهلاويس والضلالات التي تجعله في حالة خوف وشك في الآخرين وعدم الإحساس بالأمان على نفسه وتصيبه دائماً الريبة بأن هنالك مؤامرة تحاك للتخلص منه.. عندها يجب استدراج المصاب للطبيب والتدخل للعلاج. كيف يمكن أن يستدرج المصاب ويخضع للعلاج؟ هنالك حقيقة ملازمة لهذا النوع من الاضطرابات وهي المقاومة الشديدة للمصاب للعلاج فهو عنيد جداً في طلب العلاج التلقائي مما يتوجب علاجه طواعية أو رغماً عنه. هل للقوانين الاجتماعية سلطة التدخل العلاجي؟ اهتمت القوانين الاجتماعية العلاجية بهذا النوع من الإصابات حتى في السودان وهنالك مادة في الإجراءات الجنائية تخول لوكيل النيابة الحق بأمر القبض على الشخص المعني وإحالته لمصحة الأمراض العقلية لتلقي العلاج. هل هذا يعني أن المصاب يكون في حالة عدم إدراك لحظة قيامه بالجريمة؟ نعم، ويثبت ذلك الطب الشرعي عند التدخل بالكشف عليه والخاص لمصابي الذهان أو العظمة ولهذا تعتبر هذه الحالات أحد المخارج للهروب من العدالة في بعض الحالات الإجرامية. ما الذي يجب على الأسرة فعله؟ بالنسبة للأسرة بمجرد اكتشاف علامات أو سمات أو أعراض الحالة يجب اللجوء لجهات الاختصاص دون تأخير لعدم مقدرة السيطرة على المصاب لحظة قيامه بالجريمة. لمَ ذلك؟ لأن هنالك أيضاً حقيقة علمية تؤكد أن لحظة انفجار المصاب بالانفصام الاضطهادي هي لحظة انفجار عنيفة لديه وهذه اللحظة لا يمكن التنبؤ بها ولا تحديد ميقاتها أو حتى الضحية أو طريقة القتل وكل ذلك خلال فترة الإصابة لذا على الذين من حوله العناية العلاجية به والسريعة.