شاءت الصدف أن جمعتنا مع أحد تجار الدولار والذي صار غنياً جداً الآن بعد أن كان قريباً من أن يشحد في «القرعة».. وبرع الرجل في سرد كل ما يعرف عن هذا العالم المجهول ودهاليزه و«برنداته» و«جحوره» وطريقة «تدقيس» الجهات المعنية والجهات «غير المسؤولة».. وطرق التحويل و«اللف والدوران» والابتداعات الجديدة.. وكان من بين «بدائع الصنائع في الدولار الضائع» أن ناس الدولار حاولوا إدخال قطاع الماشية واللحوم في دائرة التحويلات «المشبوهة».. والرجل ضرب مثالاً لذلك يقول إن بعضهم قد يقوم بتأجير واحد تاني يسمى «الجوكي».. وهذا الجوكي يستلم مبلغاً محترماً من تاجر الدولار.. بعدين يقوم باستكمال إجراءات تسجيل اسم عمل ويستكمل كل الإجراءات الضرورية لتصدير الماشية بأنواعها المختلفة.. ويقوم تاجر الدولار «برضو» بتوفير التمويل اللازم للشراء والبيع ويتم التصدير طبعاً باسم «الجوكي».. بعدين عندما تصل الحصيلة يقوم الجوكي ببيعها لتاجر الدولار «الذي هو أصلاً صاحبها في المبتدأ والخبر.. وبهذه الطريقة يكون تجار الدولار قد اختطفوا تجارة الصادر وأفرغوها من معانيها ومن رمزيتها ومن أغراضها وحولوها إلى نوع من تجارة العُملة تحت ستار بيع الماشية واللحوم.. وهذا ربما كان بعضاً مما أدى إلى ربكة عائدات صادر اللحوم والماشية وهذا ربما ما أدى إلى تفاقم مشكلة أسعار اللحوم المحلية هذه الأيام وكل سلع الصادرات قد تتعرض «للكسر» بنفس الطريقة. وأخذتنا «الونسة» فتحدثنا عن قضية العجز المصرفي والديون الأمريكية ومشكلة الرهن العقاري وديون اليونان ومسألة التشدد الصيني في الديون الأمريكية التي وصلت إلى ثمانية عشر ترليون دولار والتي أظهرت الصين كأكبر الدول الدائنة لأمريكا.. وحسب الحكمة السائدة وسط تجار الدولار يقولون «سيد دينك سيد روحك يا تخلّص يا تملّس» ولأن أمريكا لن تستطيع أن تخلص الديون اللي عليها الآن فإن عليها أن «تملّس» وتقبل بكل الشروط والطلبات الصينية في مجلس الأمن وفي الأممالمتحدة. ويازول الونسة «جرّت» وتطرقنا إلى فكرة بنوك الفقراء والتي ابتدعها وابتدرها رائد الفكرة البنغلاديشي محمد يونس فيما عُرف لاحقاً بمشروع «قرامين بانك» وأخونا تاجر الدولار «لفح» الكلمة وصار يكرر قائلاًَ «قرمانين» بانك.. وقلنا له إن قرمانين معاناها «عايزين لحمة».. وفي الغالب يستعلمها البعض عندما يتوقفون مدة طويلة عن أكل اللحوم فيقول أحدهم إنه «قرمان» لأنه لم يأكل لحماً لمدة طويلة جداً.. أما في حالة الشاي والقهوة فيقولون «خرمانين» ولا يقولون قرمانين.. وكذلك في حالة الصعوط والسجاير. والدكتور محمد يونس أنشأ بنك «قرامين» في دولة بنغلاديش ونجحت التجربة هناك ونقلها إلى العالم الخارجي.. وتجربته تعتمد على محاربة الفقر وحصل بها على جائزة نوبل للسلام في عام 2006م. وتقوم فلسفة «قرامين بانك» على أن الائتمان والتمويل حق من حقوق الإنسان وأن الشخص الذي لا يملك شيئاً من حقه أن يحصل على القروض والتي يجب ألا تكون حكراً على الأغنياء.. ووجد محمد يونس أن النساء أفضل القطاعات في استرداد الديون وأن المرأة تحرص على حرمان نفسها لإطعام زوجها وأطفالها.. ولهذا فقد تبنى محمد يونس فكرة التمويل الأصغر لمحاربة الفقر.. وفي فترة قصيرة كان لهذا البنك أكثر من ثلاثة آلاف فرع في كل العالم وعشرين ألفًا من العاملين ويقدم خدماته لعشرة ملايين من البشر وأكثر من خمسة وتسعين في المائة منهم نساء. وبهذه المناسبة فإن كلمة «قرامين» هي كلمة بنغلاديشية ومعناها القرية وعليه يكون «قرمانين» بانك بتاع تاجر الدولار هو بنك القرية.. ترى متى يمكن أن نتوقع فرعاً لبنك قرامين عندنا في السودان.. ولماذا أصلاً لم نقم بتخصيص جزء من مئات المليارات المخصصة للتمويل الأصغر وننشئ بها قرامين بانك بتاع السودان أو «قرمانين» بنك بتاع تاجر الدولار؟ ثم ما هي مساهمة تجار الدولار «القرمانين» في نهضة البلاد وتقدمها.. ولماذا لم نسمع بأن أحدهم أنشأ بنكاً مثل «قرمانين بانك» مع أنه مشهور جداً بأن يسلف الأموال «بالفايظ» وبأسعار باهظة التكلفة تصل إلى 40% في شهرين ويقال إن نصف المساجين «ويبقى حتى السداد» من ضحايا «ناس قرمانين» بتاع الدولار. { كسرة: لماذا يطالب ناس حكومة الجنوب «الإسرائيلية» بالحريات الأربع ولا يطالبون بإنشاء بنك مشترك لتسهيل التعامل علماً بأن المعلومات تقول بأن كثيراً من الجنوبيين الذين حصلوا على تمويل من بنوك الشمال قد «فحّطوا» و«خندقوا» في دولة الجنوب وقالوا «الراجل يجينا هنا» وأدى ذلك إلى إفلاس شركائهم الشماليين وتعثر بعض المصارف.. وأخيراً متى سيرحل الجنوبيون وخلاياهم النائمة من بلادنا.. وإن شاء الله قطر عجيب يودي ما يجيب!!