أعداد غفيرة من أهله وإخوانه وأصدقائه وأحبابه تقاطرت الى منزله مساء الخميس فور سماعهم الفاجعة بوفاة الشيخ محمد أحمد النو ثم أعداد ضخمة فى مقابر أحمد شرفي للصلاة عليه وتشييعه الى رب رحيم غفور يجازي بالإحسان إحسانا، ولا نزكي على الله أحدا فما يعرف عن المرحوم النو كثير أعمال جليلة وزهد وتعبد وأعمال خير منذ شبابه وكان آخر عهدي به فى الشهور الأخيرة من حياته عندما ظللت ألتقيه - رغم معاناته مع المرض - عمل خير كبير كأنما أراد أن يختتم به حياة حافلة بأعمال الخير كعادته.. كان ذلك عندما عمل جاهدا مع آخرين لإنشاء مؤسسة مالية خيرية لمساعدة الفقراء وللتمويل الأصغر للمحتاجين الذين لا يتمكنون من الحصول عليه بشكل ميسر، وذلك بطريقة مبتكرة ألا وهو إنشاء بنك لهذا الخصوص فتقدموا لبنك السودان قبل بضعة أشهر فوافق محافظا بنك السودان السابق د. صابر محمد حسن ود. محمد خير الزير مشكورين وصادقوا بقيام (مصرف الخير للتوازن الاجتماعي) ولعل فكرته فى تقديري أفضل من بنك قرامين البنغلاديشي الذى حصل مؤسسه بروفيسور محمد يونس بسببه على جائزة نوبل عام 2006. تقوم الفكرة كما علمت من المرحوم والقائمين بأمره أن يساهم المؤسسون للبنك برأسمال لا ينالون منه أرباحا كالمؤسسين للبنوك التجارية بل هي أسهم وقفية ينالون بها الأجر من الله سبحانه وتعالى ولكن البنك المقترح يعمل مثل البنوك الأخرى ليحقق أرباحا من عملياته المصرفية والاستثمارية المعروفة وتذهب الأرباح لتمويل الفقراء والمحتاجين للتمويل الأصغر أو المتناهي الصغر بطرق مبتكرة أيضا ودون أرباح وشروط تقصم ظهورهم وتدفعهم للتهرب من السداد كما الآن. لقد أحسن بنك السودان بتشجيع الفكرة كدأبه فى تشجيع التمويل الأصغر وصدق مبدئيا بالبنك وكان المرحوم النو ومن معه قد جعلوني مستشارا إعلاميا لهم – دون أجر بالطبع مثلهم كعمل خيري لوجه الله - وبدأنا العمل بالفعل واقترحت عليهم تطوير هذه الفكرة العبقرية بمزيد من المشاورات لأكبر قطاع من رجال الأعمال وأهل الكسب والصنائع والمسئولين والخبراء الاقتصاديين خاصة رجال المصارف حتى تتبلور الفكرة بشكل أفضل ويكون نصيبها نجاحا بأفضل من بنك قرامين.. ولكن كان القدر أسبق فذهب النو الى جوار ربه، أسأل الله له أن يجزيه خير الجزاء مع النبيين والصديقين والشهداء وبقرب رسول الله محمد (ص) الذى قال أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون، وأحسب أن المرحوم محمد أحمد النو كذلك منذ أن عرفته فى منتصف ستينات القرن الماضي وهو طالب بالمعهد العلمي العالي حين جاءنا ونحن فى المرحلة الثانوية مبشرا ومؤسسا لاتحاد عام الطلاب السودانيين الذى لم يكن موجودا حينها كالاتحادات الأخرى لها دورها البارز فى الحياة السياسية كاتحادات العمال والمزارعين والمهنيين بمختلف ضروبهم. وإن أنسى لا أنسى فى زيارته تلك محاولة النو إقناعي بعدم الامتحان للجامعة من الصف الثالث بل استمر حتى الرابع مثل الآخرين حتى لا أفشل فأتضرر فلما عاندته ذهب الى والدي الذي تربطه به صلة قرابة أسرية بوالدتهم فى فداسي ( بنات عمة عبد الرافع وخوجلي وإخوانهم أولاد دفع الله) وشرح له خطورة فكرتي، وأنتهى الأمر بخضوعي لرأيهم على مضض خاصة بعد أن علمت أن ابن عمي الفاتح عروة فى الخرطوم والذى تعاهد معي على نفس الفكرة أثناء الإجازة قد تم إقناعه أيضا بالتخلي عنها. رحم الله محمد احمد النو وأرجو من بنك السودان دعم فكرة بنك الخير وتيسيرها وإنجاحها وليكون صدقة جارية له وأصحاب الفكرة ولمؤسسيه والعاملين فيه.