قبل أن تجف مآقينا ويندمل جراحنا في فجيعتنا وفقدنا مكي بلايل وإخوانه الذين مضوا شهداءَ في حادثة طائرة تلودي، ها نحن اليوم على موعد مع الأحزان، فقد ترجّل فارس آخر عن صهوة جواده «فتحي خليل» في رحاب الله، رجل فقدته منابر الدعوة وحلقات الذكر والتبتل وبكته قبل أخوانه ومعارفه.. فتحي خليل فجيعتنا فيك كبيرة وفقدنا عظيم وقد تركت بيننا فراغاً عريضاً لا يسدُّ، لكن عزاؤنا فيك أنك قد قلت كلمتك الأخيرة قولة الحق في مواجهة الكفرة الزنادقة الذين حاولوا زوراً وضلالاً الإساءة لنبي الأمة وسيد المرسلين سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم».. فتحي خليل غاب اليوم ببدنه لكن تظل أفكاره ورسالته باقية نبراساً يضيء لنا الطريق ويكشف عنا سواد ظلمته كلما إدلهمت علينا الخطوب.. سنظل منتظرين على عهدك نحافظ، وعلى الأمانة وخدمة البشرية والدعوة إلى الله نعاهد وندافع، لن نتخلف عن ركب الدعاة المجاهدين ولن نبدل إن شاء الله.. والله لو أبصرت الجموع التي تقاطرت لوداعك الأخير والصلاة عليك لكنت قد دعوت الله أن يعجِّل لك بالرحيل لكنها أيام مكتوبة ولحظات يدركها الإنسان وتدركه متى ما كتبت له النهاية ولا يدري شخص بأي أرض أو أي حال يدركه الموت فيفنى لكنه يظل يناجي ربه ويتقرب إليه حتى يختاره ويتخذه شهيداً عنده.. سبحان الله الذي لا يموت فهو الحي الدائم فقد حصدت الطائرات والسيارات خيارنا ولم يتم مراجعة هذا الملف بالقدر الذي يقلل من مخاوفنا كما كل هذه الفواجع والنهايات الأليمة للمسؤولين لم نراجع فيها منهجنا وطريقة تعاملاتنا العفوية والحركة المستمرة للمسؤولين لا سيما المسؤول الأول، فإذا نظرنا للدول من حولنا لعلمنا أننا الدولة التي تحظى بالمرتبة الأولى في حركة المسؤولين، كما أننا إذا أجرينا مقارنة ودراسة لوجدنا أن السودان يحرز مرتبة متقدمة في حالات وفيات المسؤولين الذين يموتون بسبب حوادث السيارات والطائرات، نقول هذا ونؤمن بقضاء الله وقدره لكن ليس هناك مبرر لنعلق أخطاءنا على «القدر» يجب أخذ الحيطة والحذر من باب اتخاذ الأسباب السليمة والتوكل على الله..تظل خطب فتحي خليل ومساجلاته القانونية والرسالية تطرق الآذان والذاكرة لن يمحوها الزمان ولا مضاعفات السنين، فإن غادر اليوم دنيانا الفانية فتبقى مواقفه وسلوكه معهداً يخرج مليون «فتحي» يحمل ذات القيم والمبادئ فقد صنع الرجل للبلد مكاناً وللدعوة والقانون موروثاً رسالياً بذل فيه كل ما في وسعه من جهد نحن شهود على ذلك ألا رحمه الله بأعظم مما قدّم للدين والوطن.. فتحي خليل لم تتمكن منه المواقع والسلطة وهو سياسي متفق حوله ولم يكن محل خلاف أو شك، وقد عاش بين الناس فى مناسباتهم السعيدة والحزينة كنا بجواره لعدة أيام خلال شهر رمضان الماضي يصلي معنا بمسجد القصر الجمهوري حيث كان يرابط ويواظب قبل أن يذهب والياً للشمالية وألقيته قبل رحيله مرتين الأولى في الندوة التي نظمتها صحيفة الإهرام اليوم حول العلاقات السودانية المصرية، ثم الثانية قد صلى معنا جمعة نصرة النبى «صلى الله عليه وسلم» بمسجد الشهيد خلف الشيخ الكاروري وقد تحدث للوسائط الإعلامية حول أهمية مواصلة مشروع النهضة الإسلامية وبذل الجهد والمال لتحقيق المشروع الإسلامي وحماية المقدسات الإسلامية كيف لا وهو من كبار رموز العمل الإسلامي العالمي، وقد شكلت مسيرته في الحياة أنموذجاً حيّاً للرجل المصابر والمرابط والقيادة الواعية الرشيدة التي تعطي بلا كلٍّ وتعمل بلا ملل لأجل وحدة الصف الإسلامي.. فتحي خليل رجل دولة خطفته الأقدار قبل أن يكمل مشواره في رحاب الإنسانية والعدالة ومواجهة الإرهاب الغربي على أمته ووطنه.. برحيل فتحي خليل نكون قد فقدنا مجاهداً جسوراً وسيفاً بتّاراً وداعية مسمعاً، في وقت يضطرب فيه العالم ويموج من الفتن، وكثرت فيه حملات الصليبيين التشكيكية في ثوابت الإسلام ومقدساته ورموزه، فما أعظم حاجتنا لرجل مثله له القدرة على غرس الدين والوطن في قلوب الأجيال والتأثير عليهم بصوته البحوح وكلماته ولغته الرصينة المجلجلة.. اللهم أجرنا في مصيبتنا واحفظ بلادنا وأهلها من كل مكروه وأيِّد قيادتها بالنصر والتمكين .!!