الإساءة إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لم تتوقف منذ أن بُعث ولن تتوقف، ومعاداته بدأت من يوم أن جهر بالدعوة وقيل لها تباً لك سائر هذا اليوم ألهذا جمعتنا؟! واستمر في العهد المكي، وقيلت في حقه أبشع الألفاظ وأسوأ التهم، وماذا بعد قول الكفار عنه: شاعر وكاهن وساحر ومجنون وكذاب أشِر؟! وبلغ المكر لقتله غايته يوم الهجرة عندما تجمّع الكفار بمختلف مللهم «وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين».. وجاءت قريش في بدر وأحد وتجمّعت مع اليهود في الخندق ومرت في الحديبية وعقدت الصلح القاسي البنود على المسلمين.. وحاول اليهود إطفاء النور الذي بُعث به خير خلق الله بسحره، وعصمه الله منه، ووضعت له يهودية يوم خيبر سُمّاً في لحم غيظاً وحقداً وحسداً، كسرت رباعيته وكسرت ترقوته وأدمي في سبيل الله، ولن يتوقف هذا الكيد والإساءات من خلف هؤلاء الكفرة «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم».. فدينه عليه الصلاة والسلام ينتشر، وسيرته في بلاد الكفار تذكر، بل ما من بلاد إلا وبها أذان وإقامة وصلاة وفيها يذكر محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا ما لم يظفر بعشر معشاره أي مخلوق في هذه الدنيا، وهو مصداق قول الله تعالى: «ورفعنا لك ذكرك».. ورضي الله عن حسان بن ثابت الذي قال: وقد ضم الإله اسم النبي إلى اسمه*** إذا قال المؤذن في الخمس أشهدُ وكلما رأى الكفار انتشار الإسلام وطمأنينة المسلمين بدينهم، ووضوح عقيدتهم، واجتماعهم في الصلوات وفي الحج على عبادات واحدة وكتاب واحد زاد غيظهم وأخرجوا عداوتهم. وإن إنكار الإساءة التي يقوم بها الكفار بين حين وآخر هو من الواجب على كل مسلم ومسلمة، فإنكار هذا المنكر العظيم واجب عيني على كل من بلغه من المسلمين، فهو من أعظم المنكرات، وفيه من الأذية للمؤمنين والإساءة إليهم بعد الإساءة لدينهم ونبيهم.. فمن يستطيع الإنكار بالكتابة والرد عليهم وتفنيد شبهاتهم وبيان صفات النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وهديه وهذا من واجب العلماء والدعاة، يقومون بذلك كتابة وخطابة وتدريساً، وعلى ولاة أمور المسلمين مخاطبة هؤلاء الكفار وإنكار هذه الأفعال المسيئة، وتذكيرهم بما يتبجحون به كذباً وزوراً من دعاوى حقوق الإنسان. ويطالبونهم بالاعتذار الواضح ومحاكمة من فعل ذلك على الملأ وجعلهم عبرة لغيرهم، وعلى عامة الناس إنكار ذلك بألسنتهم وأفواههم فيما بينهم والإفادة من الحدث رغم مرارته الإفادة منه في أن يتعلم المسلمون سيرته عليه الصلاة والسلام وهديه، ويقرأون التأريخ ويستعرضون المحاولات اليائسة التي قام بها الكفار منذ بعثته للنيْل منه وقتله والإساءة إليه عليه الصلاة والسلام. إن أبلغ رسالة يُردُّ بها على الكفار في إساءتهم لجناب النبي الكريم حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام هي العودة والرجوع والتمسك بسنته والاهتداء بهديه، إن هذا هو الذي يغيظ الكفار، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : «مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى قَوْلِ آمِينَ ، فَأَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ آمِينَ» رواه البخاري، وهذا مثال للجوانب التي تغيظهم من أعمالنا. أما الهجوم على السفارات وحرقها وقتل الموظفين الغربيين الذين دخلوا إلى بلاد المسلمين بأمان وتأشيرات للقيام بوظائف محددة وافق عليها حكام بلاد المسلمين إن فعل ذلك فهو مخالفة واضحة لما دعا له النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو حرام لا يجوز، ومهما بلغت إساءات الأمريكان أو الغربيين للمسلمين واحتلال بعض دولهم فإن ذلك لا يبرر ما قام به بعض المتظاهرين يوم الجمعة الماضي ، وإن نصرتنا لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام ينبغي أن تكون بعلم، يقودها العلم ويوجهها الهدي النبوي، لا توجهها العاطفة المجردة عن العلم والبينة، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري») : المراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من السلطان أو أمان منه). وقال ابن تيمية في «الصارم المسلول على شاتم الرسول»: (ومن المعلوم أن من أظهر لكافر أماناً لم يجز قتله بعد ذلك لأجل الكفر بل لو اعتقد الكافر الحربي أن المسلم آمنه وكلمه على ذلك صار مستأمناً قال النبي صلى الله عليه وسلم ....: «من آمن رجلاً على ماله ودمه ثم قتله فأنا منه برئ وإن كان المقتول كافراً» رواه الإمام أحمد وابن ماجه. وقد نقل ابن عبد البر المالكي الإجماع على ذلك في كتابه «الاستذكار». وهذا يعني أن هذه المسألة مما اتفق عليه علماء الإسلام، وذلك لوضوح الأدلة، وقصة إجارة أم هانئ بنت أبي طالب في البخاري واضحة في هذا الأمر حيث أجارت يوم الفتح كافراً وأراد أخوها علي رضي الله عنه قتله فقال النبي عليه الصلاة والسلام لها : «قد أجرنا من أجرت)» وإذا كان هذا هو الحكم الشرعي في هذه القضية، فإن مما يؤسف له أن يسقط قتلى في تظاهرات يوم الجمعة قبل أمس، أسأل الله لهم الرحمة والمغفرة، والذكرى للشرطة ببذل كل الجهود حتى لا يجرح مسلم فضلاً من أن يقتل، وإذا كان الإسلام عصم دم الذمي والمعاهد والمستأمن من الكفار فكيف بدم المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟! وهذه نتيجة طبيعية لسلوك سبيل التظاهرات لتوصيل الاحتجاجات، فغالباً يحصل فيها الهرج والمرج والفساد في الأرض من التخريب والنهب والقتل، ويدخل بين المتظاهرين مفسدون لهم مآرب أخرى يصلون إليها من خلال تلك الفوضى.. لننصر نبينا بالعلم والبصيرة، بتعلم هديه ونشر سنته، ورجوع الناس لطريقته وشريعته.. هذه هي النصرة والمحبة، فالمحبة تعني الاتباع، والطاعة، واقتفاء الأثر، والاقتداء به عليه الصلاة والسلام، أما أن يعبر بعض المسلمين بهتافات يرددونها في سويعات، ثم هم في نفس الوقت يجهرون بمخالفته بل ويقلدون هؤلاء الكفار في خصائصهم لهو الشيء المؤسف حقاً!! ما أكثر شباب المسلمين الذي يحبون اللاعبين من الكفار ويقلدون الكفار في أمور كثيرة هي من خصائصهم ويتشبهون بهم فيها وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من تشبه بقوم فهو منهم» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني. وما أكثر المسلمين الذين يحتفلون برأس السنة وعيد الكريسماس وهي أعياد خاصة بالكفار!! على العلماء والدعاة ووسائل الإعلام الاهتمام ببيان الوسائل الشرعية لإنكار إساءات الكفار لديننا ونبينا.. والعناية ببيان الطرق الصحيحة «النافعة والمجدية» لنصرة الحبيب المصطفى، ولينشروا العلم الشرعي الذي تُضبط به العواطف، فإن العاطفة غير المنضبطة بالشرع تصبح «عاصفة» .. بل وقد أصبحت، وإلى الله المشتكى.. فإنه كما يقال: «لن يصح إلا الصحيح».. ومما يجب العناية به في ذلك دراسة نصرة الصحابة للنبي الكريم ومنهجيتهم.. فقد نصروه بالمال والأنفس وقدموا له كل ما يملكون واستقاموا على دينه وسنته، وبلّغوا شريعته المدن والقرى والأمصار.. فنعم القدوة هم، ومن كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة .