بحكم طبيعة العمل والإقامة بدول المهجر التي دون شك تلقي بظلال إيجابية كثيفة لا يمكن التغاضي عنها رغم قساوة الغربة وآلامها، وانعكاس هذه الظلال بصورة واضحة على مستوى الدقة في التعامل والالتزام بالمواعيد.. لذلك نجد أن المغترب عند عودته للسودان يفتقد لهذه الأشياء نسبة لاختلاف طبيعة الوطن الأم عن بلد المهجر الذي يقيم فيه.. وعندها تنقلب الموازين رأساً على عقب، وتصبح الساعة البيولوجية المؤشر الرئيس الذي تسير عليه حياته في حالة من الاهتزاز وعدم الانضباط. وهذا الحديث يقودنا إلى افتقاد الشعب السوداني خاصية تقييم وتقدير قيمة الوقت التي تُعد من أكثر المشكلات التي تحد من النقلة التطورية للسودان، وتشمل كل المناحي الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية منها.. فما يعانيه المغتربون عند السعي للعودة لبلد المهجر من تعطيل لمجريات سير إجراءات العودة وأخذها للكثير من الزمن الذي هو بكل تأكيد خصم على أعمالهم ومدارس أبنائهم هناك، يجعلنا نشير إلى الإهمال والبطء الذي تسير عليه الدواوين الرسمية هنا.. فتنطلق زفرات الضيق والألم من صدور أهلنا بالخارج.. فإلى متى هذا الحال؟! ومواجهة أزمة معادلة التوقيت تصبح أكثر صعوبة على المغترب عندما يجد أن البعض وليس الكل غير مدرك لقيمة الزمن وكيفية الاستفادة منه.. فحسب الدراسات العلمية فإن الاهتمام بالزمن أضحى من أساسيات التقدّم التكنولوجي والتطور الذي يصاحب التنوع الثقافي لتقدم الأمم وتطورها الأمثل، وهذا ينعكس بأي حال على مدى استيعاب النشء الجديد لهذه النقلة التي تعتبر نقلة نحو الخلف وليس الأمام، فيفتقدون لمعنى الالتزام والانضباط الذي كان ديدنهم في بلد المهجر. وصرخة الألم التي يبعثها إهمالنا لكنز الوقت تجعلنا ننظر لحال بلدنا وما تعانيه من أزمات بسبب هذا الإهمال، وأعتقد أن الرؤى يجب أن تتكامل ما بين المغتربين والمقيمين بأرض الوطن الحبيب حول الإشارة لمدلولات هذا الأمر وتأثيراتها المترتبة على مدى الوعي به وسط الناس، سعياً للتطور والتقدم والاستقرار.