وأعجب من أن تدري الميزة أننا نكتب، والميزة أنهم يتجاهلون ما نكتب.... تماماً مثل الذي شكا إليّ أنه يعمل ولا يعطونه راتبًا فقلت له: تظاهر بأنك تعمل وهم يتظاهرون بأنهم يدفعون لك.. ويا جيب ما دخلك راتب.. ويا دار ما دخلك شغل. أنا أبدأ يومي بمغالطة كبيرة. أحلق ذقني كل صباح وأمسح فروة رأسي بماجيك لعلاج الصلع.. فلا ذقني توقفت عن النمو، ولا شعر رأسي أخذ ينمو.. أحد الإخوة من العالمين ببواطن الأمور قال لي: بسيطة، إنت خلي دقنك تقوم وما تمسح فروة راسك بماجيك وبكدا تكون اتخلصت من مغالطتين في آن واحد. ثم إن هذا يعد إنجازاً كبيراً.. تلفت حولك هل تجد من ينجز عملين في آن واحد؟ أوضحت له أنني ظللت أحلق ذقني منذ أن أخذت شعيراتها تطل وأنا في المرحلة الثانوية.. ولم أتركها تنمو لأراها سوداء فكيف تريدني أن أراها بيضاء؟ ثم إن شعر رأسي الذي أخذ يتساقط في غير ما هوادة أو رحمة إن تركته على تلك الحال فقريباً سأشبه الممثل القدير جمال حسن سعيد أو الأستاذ طارق الأمين أو الفنان فرفور.. ولو واحد قال لي: تعال مثل لي أو غني لي أقول ليهو شنو؟.. هذا التناقض وهذه الحيرة أدخلاني في حيرة وضيق أحمله معي يومياً في حلي وترحالي. ويبدو أن ما تبقى من الحياة التي أحياها سيظل كذلك إن لم يتفاقم. فعندما شخّص الدكتور البروفيسور كمال العمدة ما ظللت أشعر به من آلام في الصدر هي أحد مظاهر الذبحة وإنني يجب أن أخضع لقسطرة علاجية على الأقل في الوقت الحالي شعرت بأنني لو قدر الله أن ألاقي حتفي فسيكون ذلك في قارعة الطريق.. وما هذه الآلام التي تداهمني إلا بزيادة الأدرينالين الذي ينساب في دورتي الدموية وأنا أكاد أتميز من الغيظ وأنا ألمح ذلك السوق وتلك الفوضى التي ضربت أطنابها في مدخل كبري القوات المسلحة «كبري كوبر» من ناحية شارع الشهيد عبيد ختم. ليس هناك في جميع أنحاء العالم المتحضر وغير المتحضر والمتخلف والعشوائي والعشماوي من يقيم موقفاً للحافلات وسوقاً لركاب الحافلات من باعة متجولين وستات شاي وطاولات طعمية وفول وماسحي أحذية وطبليات لبيع حلاوة اللبان والبسكويت المنتهي الصلاحية عند مدخل كبري كهذا.. وقد كتبت عن ذلك كثيراً ولكن لم يحرك أحد ساكناً.. يا أخي خلي الناس تسترزق. ألا يجعل ذلك شرايينك وأوردتك أضيق من سم الخياط؟ وعندما تعود راجعاً بذات الكبري من الخرطوم بحري وأنت تجتاز مطباً إثر مطب ثم تقف في انتظار الإشارة التي تأذن لك بالدخول إلى شارع عبيد ختم ثم تولع إشارة خضراء لتعلمك أنه أمامك 12 ثانية لتجتاز هذه المسافة وتنتهي تلك الثواني وأنت لم تتجاوز المظلة التي يقيل تحتها شرطة المرور الستة .. ألا يصيبك ذلك بالسؤال المجلجل المزلزل : ولماذا 12 ثانية؟ ولماذا 12 ثانية وأنت تهم بالدخول من شارع بشير النفيدي «الستين سابقاً» إلى شارع أوماك ولماذا هي 200 ثانية وقوف في انتظار أن تفتح الإشارة و12 ثانية فقط لتصل إلى الإمدادات الطبية في السجانة.. ولماذا ولماذا.. ليس هناك منطق يفسر ذلك. فإن قلت إن الكثافة المرورية في بعض الشوارع تتطلب ذلك نقول: نعم .. ولكن قلة الكثافة المرورية لا تكفيها 12 ثانية لتمرر عربية واحدة وخاصة إذا كانت شاحنة أو قلاب أو حتى بص.. قبل يومين أوقفني شرطي مرور وقد كان يتربص في كمين في تقاطع شارع محمد نجيب مع الشارع المؤدي إلى عفراء مول وأوقع عليّ غرامة بثلاثين جنيهاً لأني لم أكن أربط الحزام.. وهذا إجراء سليم مائة بالمائة .. ولكن ما حز في نفسي أن ركشة قد مرقت بجانبنا كالسهم وهي ترسل ذلك الصوت المفرقع بينما ركب سائقها على كفراتها لوالب معدنية طولها 25 سنتمتراً فلم تثر انتباه ذلك الشرطي المتربص.. فتذكرت أنني قبل عام كتبت عن شرطة المرور وأوضحت المخاطر المهنية التي يتعرضون لها Occupational Hazards من جراء وقوفهم في الشمس وتعرضهم للغازات الخطرة المنبعثة من عوادم العربات وطالبت إدارتهم أن تخضعهم لكشف طبي من وقت لآخر حتى لا تتراكم أثار تلك المخاطر الصحية ولكن ما هالني هو المحادثات الهاتفية التي انهمرت عليّ من عدد كبير من المواطنين ومن بينهم أحد كتاب الزوايا في جريدة «الإنتباهة» وكلها تدور حول موضوع واحد: يا أخ إنت مالك ومال ناس المرور؟.. إن شاء الله يحصل ليهم كيت وكيت وكيت.. يا أخ في زول عاقل بعطف علي ناس المرور؟.. ديل عندهم شنو غير الغرامات والجبايات.. ويومها تأكد لي أن على رجال المرور عملاً كبيرًا لردم الفجوة بينهم وبين المواطنين وإنه عليهم أن يبنوا جسوراً نُسفت ولا مجال لتجاهلها في علاقتهم بالمواطنين. حتى يؤكدوا شعار أنهم في خدمة الشعب. أقول إن الشارع بالعدوان الذي فيه من سابلة وراجلة وعلى كارو وعلى ركشات وأمجادات وشاحنات وأصحاب عربات خاصة المظللة منها وغير المظللة وسائقي الإسعاف وسيارات القيادات السياسية وشاغلي المناصب الدستورية الذين يسيرون بسرعات جنونية تسل رحمن قلب أي شخص من مستخدمي الطريق هو الذي سيؤدي إلى رفع درجة التوتر إلى درجة الغليان. وكما تتكدس العربات في مدخل كبري النيل الأبيض تجاه الخرطوم في الصباح وتجاه أم درمان في المساء أشعر بأنه سيأتي اليوم الذي ستتكدس وتكتظ فيه كريات الدم الحمراء في شراييني وأنا في قارعة الطريق. وإن لقيت حتفي فسيكون بسبب «نار» الغباين ديلا.. ولا مش كدا يا صديقي النعيم سليمان الحكم الدولي عندما كان التحكيم لا يعد من ضمن الغباين ديلا.. أكتب هذا وأستغفر الله لي ولكم. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشترِ ولا تُهدِ هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سنّ الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد..