طرحت الزيارة الأخيرة التي قام بها القائم بالأعمال الأمريكي الجديد جوزيف إستافورد إلى شرق السودان خلال الأسابيع الماضية عدة أسئلة أهمها لماذا لم تكن الخارجية على علم بهذه الزيارة؟ وهل يُسمح لأي دبلوماسي بالتحرك كيفما يشاء دون إخبار السلطات؟ في حين أنه لا يُسمح لأي دبلوماسي أجنبي في واشنطن بالسفر والتنقل في الولاياتالمتحدة دون علم الخارجية بكل التفاصيل حتى وإن كانت عائلية أو للسياحة، لكن ومن خلال عدة زيارات وتحركات لمسؤولين أمريكيين في السودان برز أن لأمريكا أهدافًا غير معلنة تقوم بها خلف الستار، وعلى الرغم من أن مثل هذه الزيارات تثير حفيظة الحكومة ودائمًا ما تنتابها شكوك ومخاوف واحتجاجات رسمية، ففي وقت سابق من العام الماضي كانت الحكومة قد احتجت على دخول عضو الكونجرس الأمريكي عن دائرة «فرجينيا» فرانك وولف والصحافي الأمريكي نيكولاس كريستوف في ولاية جنوب كردفان قادمين من دولة جنوب السودان بدون تأشيرة دخول ووصفت دخولهما في الولاية بأنه غير شرعي ومخالف للأعراف الدولية، وذلك بهدف القيام بأعمال مساندة للحركة الشعبية قطاع الشمال. وقدمت السفارة السودانية بواشنطن، احتجاجاً شديد اللهجة لوزارة الخارجية الأمريكية، معتبرة هذا التصرف انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة وقوانين السودان. الزيارات غير المعلنة والسرية إن صح التعبير من قبل المبعوثين الأمريكيين لشرق السودان والتي لم تعلم الخارجية بأمرها لم تكن الأولى، ففي العام الماضي أتت زيارة المبعوث الأمريكى سكوت غريشن لشرق السودان أيضًا دون علم الخارجية التي صرحت وقتها بأن زيارة غريشن لشرق السودان لا علاقة لها بالأوضاع السياسية في المنطقة، وأنها تمت للاطلاع على الأوضاع الإنسانية ولقاء المسؤولين الحكوميين في الولاية، وكانت تقارير قد كشفت أن غريشن زار المنطقة بدون إذن الخارجية السودانية إلا أن الأخيرة نفت في وقتها مؤكدة أنها قد أذنت بها إلا أنها لم توضح لماذا اعترضت الجهات الأمنية المسؤول الزائر ومنعته من مقابلة أفراد المعارضة. سياسة واشنطن تجاه السودان باتت واضحة المعالم وظلت تعمل على جانبين وعلى المستوى الظاهري والخفي، وذلك بحسب المحلل السياسي البروفيسر حسن الساعوري الذي قال ل «الإنتباهة» إن أمريكيا لا تكتفي بالعمل الرسمي الواضح وإعلان مواقفها علنًا في مختلف القضايا التي تحدث في السودان لكن لها بالمقابل أدوار خفية لا تعلن عنها وذلك ما وضح مؤخرًا حول زيارة المبعوث الأمريكى لولاية البحر الأحمر، وتساءل الساعوري: هل كانت الزيارة سياسية أم للسياحة؟ ولماذا لم تعلم الخارجية بهذه الزيارة؟ واعتبر الساعوري أن مثل هذه التحركات من قِبل المبعوثين الأمريكيين لن تكون الوحيدة بل قد تكون واحدة من عدة لقاءات مشابهة، فأي اتصال أمريكي بمجموعة سياسية معارضة وراءه أهداف غير معلنة. تحركات مسؤولين أمريكيين في العلن أو تحت الستار آخرها جاءت من المبعوث الأمريكي الجديد جوزيف إستافورد يصفها الخبير الإستراتيجى اللواء عباس إبراهيم بأنها واحدة من السياسيات التي تنتهجها واشنطن تجاه السودان فيظهر بذلك التحركات السرية أو التي لا علم للحكومة بها والتي في الغالب لا تخرج من الخرطوم وإنما من دول الجوار كأوغندا ودولة جنوب السودان وأقرب مثال الزيارة السرية التي قام بها الممثل الأمريكي جورج كلوني لجنوب كردفان قادمًا من دولة الجنوب والتي لم تعلم بها الحكومة إلا بعد نشر تقارير وأخبار عن الأوضاع في الولاية أكدت أنه منحاز ومتحامل على الحكومة بنشر تقارير وصفها مراقبون بأنها غير دقيقة، ويؤكد إبراهيم أن مواقف واشنطن واضحة ومعلنة حول إسقاط وتفكيك النظام لكن بالمقابل ظلت تعمل في الخفاء وسرية تامة تخوفًا من أي انتقادات أو إدانة من قِبل المجتمع الدولي ومن ثم تحقق أهدافها، فالعمل خلف الستار يجعلها على صلة مباشرة بالحركات المسلحة المعارضة وذلك بعمل اتصالات فردية لعرقلة أي اتفاقيات ومن ثم عدم الوصول إلى أي حلول.. على كلٍّ وعلى الرغم من تكرار هذه التحركات السرية وغير المعلنة من قبل مسؤولين أمريكيين تظل التساؤلات مطروحة حول موقف وزارة الخارجية من هذه الزيارات وهل ستنتهج مواقف جديدة تجاهها؟ أم ستكشف الأيام المقبلة زيارات سرية أخرى؟