كما قام الرئيس ريتشارد نيكسون بتطبيع العلاقات الأمريكية الصينيَّة، ينتظر السُّودان من الرئيس أوباما أن يقوم بتطبيع العلاقات الأمريكية السودانية. حيث درجت الإدارات التي سبقته في البيت الأبيض، على استغلال السودان لأغراض سياسية ذرائعية شخصية، لا علاقة لها بتطوير علاقات البلدين. بل كانت تستخدمها في الإتجاه المعاكس لتأزيم تلك العلاقات وإعاقة إصلاحها وتطويرها. فالرئيس بيل كلنتون قصف السودان ليدفن مأزق (مونيكا). والرئيس بوش الإبن استخدم (دارفور) ليدفن مأزق العراق، في إطار عملية علاقات عامة سياسية عالية التقنية. وذلك لتأمين كسب سياسي داخلي. كل تلك اللعبات السياسية ومثيلاتها كانت لعبات خطيرة جاءت خصماً على أمن السودان واستقراره. أيضاً في شأن السودان، سمحت الإدارات السابقة في البيت الأبيض لجماعات الضغط واللوبي، غير المنتخبة ديمقراطياً، أن تنتزع المبادرة من الرئيس المنتخب، وذلك في جُرأة صارخة على المؤسسية. ولم يكن الرئيس أوباما استثناءً حيث ظل منذ انتخابه وإلى اليوم يسير في سياسته السودانية، على نهج الإدارات التي سبقته، متجاوباً مع أطروحات جماعات الضغط. حيث توفرت في واشنطن فيما يختصّ بالشأن السوداني، الجرأة الصارخة على المؤسسية بصورة لم تتوفر معها بهذا القدر في شأن دولة أخرى. كما أن جُرأة جماعات الضغط واللوبي على المؤسسية في واشنطن، لا تتوفر بذلك القدر الصارخ في السياسة الأوربية. لقد ظلّ السودان وما يزال ينتظر من الرئيس أوباما، بمواصفاته الفكرية والأخلاقية والإنسانية والسياسية، التي أهلته ليصبح أول رئيس آفرو أمريكي ينتخبه الشعب الأمريكي، أن يضع العلاقات الأمريكية السودانية في مسارها الصحيح، لتصنع شراكة اقتصادية وتحالف وصداقة متينة. لتصنع التحالف الذي قال عنه الرئيس جون كيندي (هذا تحالف بين أعرق الأمم «السودان» وأحدث الأمم ميلاداً «أمريكا»). كان ذلك عند زيارة الرئيس إبراهيم عبود واشنطن في مايو 4691م تلبية لدعوة رسمية. السودان يدري أن الرئيس أوباما يدري أن السيناتور جون كيري رئيس لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس عندما زار دارفور أصدر تصريحه بأن صورة دارفور في الواقع تختلف عن صورتها في واشنطن. أي تختلف عن تلك التي رسمتها ماكينات الدعاية المضادة للسّودان. السودان يدري أن الرئيس أوباما يدري أنّ القرارات الأمريكية والدولية المضادة للسُّودان، التي اتخذت تحت ذريعة (الإبادة الجماعية) في دارفور، قامت على حيثيات سياسية مناقضة للحقيقة والواقع. كما أنها تصطدم بإفادات العديد من الجهات الدولية المعنية بدارفور. حيث كان أوَّل من قام بترويج مزاعم (الإبادة الجماعية) هو السيد وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول)، والذي أعلن في الكونجرس (لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ)، بتاريخ 9/9/4002م أن ما يجري في دارفور (إبادة جماعية). لكن إفادة السيد/ كولن باول اصطدمت حينئذٍ بإفادة وفد البرلمان الأوربي الذي زار دارفور، كما اصطدمت بإفادة قمة الرؤساء الأفارقة في أديس أبابا عام 8002م، كما اصطدمت بإفادة وزير التنمية الدولية البريطاني (هيلري بن) في 32/7/4002م والتي صرح بها لإذاعة BBC. كذلك اصطدمت إفادة (كولن باول) حينها بإفادة جامعة الدول العربيَّة. كما اصطدمت أيضاً بإفادة رئيس منظمة (أطباء بلا حدود) السيد/ (جين هيرفي برادول) التي نقلتها صحيفة (الفايننشيال تايمز) في 5/7/4002م. حيث كان لدى منظمة (أطباء بلا حدود) فريق من اثني عشر طبيباً دولياً (غير سودانيين) يعملون في دارفور. كما اصطدمت إفادة (باول) أمام الكونجرس عن (إبادة جماعية) في دارفور حينها، بإفادة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي خاطب تجمعاً ديبلوماسياً حاشداً في جنيف سويسرا. كذلك اصطدمت إفادة (باول) بإفادة وفد الإتحاد الدوليّ للعلماء المسلمين. السودان يدري أن الرئيس أوباما يدري بأن الحيثيات التي تستند إليها سياسة وزارة الخارجية ووزيرة الخارجية السيدة هيلاري بشأن دارفور، حيثيات أقل ما توصف به بأنها حيثيات واهية إن لم تكن مزيَّفة. حيث أن وزارة الخارجية الأمريكية والسيدة الوزيرة كلنتون ما تزال تصف ما يجري في دارفور ب (الإبادة الجماعية)، رغم طلوع شمس الحقيقة من الجهات الأربعة. حيث يصطدم وصف (الإبادة الجماعية) بواقع دارفور وبكل الإفادات الدولية المشار إليها أعلاه. ولذلك وصف المبعوث الأمريكي الخاص للسّودان (ناستيوس) إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية بناء على دعاوي (الإبادة) غير المؤسسة، يعتبر عمل سياسي، وليس قانوني. كما يصطدم. كما يصطدم توصيف الخارجية الأمريكية (الإبادة الجماعية في دارفور) بإفادة ممثل الأممالمتحدة والإتحاد الأفريقي في دارفور السيد (أدادا) والذي دفع منصبه ثمناً لمصداقيته. حيث أُبعِد السيد (أدادا) من موقعه الدولي الخاص بالسودان بسبب نزاهته. كما تصطدم سياسة وزارة الخارجية الأمريكية ووزيرتها السيدة/ كلنتون بما تسمِّيه (المذابح الجماعية) في دارفور بإفادة اللواء (مارتن لوثر أقوي) القائد العسكري لقوات الأممالمتحدة والإتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد)، والذي قال إن دارفور لا يوجد بها حرب، ذلك فضلاً عن أن تكون بها (إبادة). وقد نشرت صحيفة (واشنطن بوست) في تقرير لها إفادة الجنرال (مارتن لوثر أقوي). السياسة الأمريكية تجاه السودان اليوم، والتي تعتمد توصيف (الإبادة الجماعية في دارفور) وتستند إلى توصيف (الإبادة الجماعية في دارفور)، تخالف إفادة المجتمع الدولي وتسقط من اعتبارها شهادة الأممالمتحدة وشهادة الإتحاد الأفريقي وشهادة العديد من المنظمات وجهات الإختصاص الدولية بشأن السودان. كما أنها تضع مصير العلاقات الثنائية بين واشنطن والخرطوم في مهب ريح السياسة الأمريكية الداخلية ومشاغبات الناشطين (غير المنتخبين ديمقراطياً) من أعداء سلام السودان من جماعات الضغط واللوبي اليميني الدّيني الصهيوني. السودان يدري بأن الرئيس أوباما يعلم تماماً أن توصيف السياسة الأمريكية لما جرى في دارفور ب (الإبادة الجماعية)، لا يعكس واقع دارفور ولا إفادات الجهات الدولية المعنية بها، بقدر ما يعكس اضطراب (ثيرمومتر) الصراع داخل الإدارة الأمريكية بين (مجموعة الحرب) الأيديولوجية الدموية والواقعيين الذين عايشوا واقع دارفور ويتعاملون معه كما هو على حقيقته بدون زيادة أو نقصان وبدون أجندة خفيَّة. وفي طليعة هؤلاء كان الجنرال غريشن (المبعوث الخاص للسودان) والسيد/ جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وآخرون. لذلك هناك من الحيثيات ما يكفي، إذا ما أراد الرئيس أوباما أن يحسم جدل المتصارعين بشأن السودان، ليقوم بتطبيع العلاقات الأمريكية السودانية، كما قام سلفه الرئيس نيكسون بتطبيع العلاقات الأمريكية الصينية.