غادرت مستشفى «جون راد كلف» بمدينة أوكسفورد بعد يوم عملي مضنٍ بدَّدت رتابته سيدة إنجليزية في الستينيات من العمر أتت إلى المستشفى بحروق في مقدمة أصابع يدها اليمنى سألتها عن السبب فقالت لي أعاني من ارتفاع في الكولسترول لذلك صببْت كمية بسيطة من الزيت على المقلاة ولنشره على كل السطح استعملت أصابعي وما ظننت أنه وصل درجة الغليان وكان الحريق، تذكرتُ مقولة إنجليزية (Iam old enough to know better but young enough to do it) دلفت بعدها إلى محطة القطارات للحاق بقطار لندن، توقفت في سوبر ماركت المحطة لشراء الصحف اليومية وأنا من المدمنين لقراءتها ثم اتجهت إلى المقهى لشراب كوب شاي ساخن ليعينني على برودة الطقس، وعلى ذكر الشاي نزل أحد بلدياتنا الشوايقة ضيفاً وسأله صاحب الدار «نجيب ليك شاي ولا قهوة ؟» فأجاب «الاتنين لازماتني لكن هسة ما فطرت» تذكرت أنني نسيت حقيبة اليد في سوبر ماركت الصحف عدت وفور وصولي قذف أحدهم ببطاقته الشخصية في وجهي وقال لي إنه من الفرقة الخاصة بتفكيك القنابل ويبدو أن صاحب المحل قام بإبلاغه بوجود الحقيبة وأكيد قام بوصف شخصي له مما أثار الرعب بأنني قد أكون أحد الإرهابيين، أخذت حقيبتي وذهبت إلى المقهى جلس بجواري أحد الإنجليز وقال لي إنه أكمل رحلة طويلة جداً من لندن الى أكسفورد «مسافة قرابة 140كلم» قلت له سأحدثك عن رحلة أطول من رحلتك أنا وصلت من الخرطوم إلى أكسفورد، فأجاب: ولكن رحلتي كانت على الدراجة، تضاءلت بعدها رحلتي التي استعملت فيها الطائرة، وزاد دهشتي أن زوجته كانت ترافقه هي الأخرى على دراجتها، شدت جليسي كلمة الخرطوم، وقال: كلما ذكرت الخرطوم نذكر غردون ونهايته المأساوية بالنسبة لنا، قاطعته قائلاً «هو الوداهو بعيد كدا شنو وما كان ليلقى هذا المصير لو أتى ضيفاً وليس غازياً»، علمت منه أن الامبراطورية البريطانية في وقتها استعملت المدافع الآلية لأول مرة في معركة أمدرمان، قال لي: هل هنالك أماكن سياحية للذهاب إليها في السودان قفز إلى ذهني سوق قندهار وسوق الناقة وشارع المشاكل بأبوروف وقد أسرَّ لي صديقي الشكري عندما سألته لماذا سمِّي بشارع المشاكل فقال يباع فيه الطلح وعادة ما يختلف الزوج والزوجة عن من سيذهب لإحضار حطب الطلح، وأيضاً سوق سعد قشرة ودلكة المحلب، تذكرت حينها أن هذه الأماكن سياحية يرتادها المغترب السوداني بعد طول غياب عند العودة لأرض الوطن واستدركت ذلك وقلت لمحدثي: نعم هنالك مناطق سياحية سوف تعجبك وهي الأهرامات والنقعة والمصورات والبجراوية وحضارة مروي ونيلنا سليل الفراديس وهو الأطول في العالم، قاطعني قائلاً: «ولكن يقولون بلدكم غير آمنة وبها مشاكل كثيرة»، قلت له هذه هي الصورة المغلوطة التي ينشرها إعلامكم،، وزدت: نحن شعب طيب كريم ومضياف ومسالم لأبعد الحدود لا نملك الكثير ولكن نقتسم القيلي الذي نملكه معك، في هذه اللحظة جلس إلى جوارنا شخص آخر وبادره محدثي مرحبًا بك ونحن في درس عن تاريخ السودان فاجأنا الشخص الآخر بقوله إنه عمل في المجلس الثقافي البريطاني في السودان خمس سنوات وبالتحديد في المقرن وأدلى بشهادته أن السودانيين كرماء ولطفاء وطيبين لأبعد الحدود، قلت له السياسة والسياسيون يفسدون كل شيء وتبقى الشعوب نقية بفطرتها، ودَّعتهم على عجل وقد وصل قطاري إلى رصيف المحطة، قلبت الصحف التي بيدي أثار اهتمامي خبرٌ طبي يحكي قصة سيدة أمريكية عمرها «46» عاماً كسبت لقب ملكة جمال أمريكا في ريعان شبابها خرجت مع زوجها لرحلة صيد بحرية وقعت على المركب وأصابت رأسها ودخلت في غيبوبة بسبب نزيف داخلي، تم إسعافها إلى المستشفى وهي في غيبوبة، قام الأطباء بقياس الضغط داخل الجمجمة ووجدوه مرتفعًا جداً، في هذه الحالة عادة نعطي عقاقير تساعد في تخفيض الضغط داخل الجمجمة ولكن حالة الضغط العالي لهذه السيدة لم تستجب لهذه العقاقير، وإذا تُركت كان سيؤدي الضغط المرتفع داخل الجمجمة إلى الموت الدماغي فقرَّر الأطباء قطع الجزء الأعلى من جمجمتها بحجم طاقية الرأس حتى يفسحوا للدماغ بالتمدد ويقل الضغط بدفن الجمجمة في بطنها حتى يحتفظوا بحيويتها وعدم تعرضها للتلوث وبعد شهر قاموا بإخراج الجمجمة من البطن وتوصيلها بواسطة أخرام وأسلاك في مكانها الطبيعي وعاشت السيدة لتروي حكايتها على صفحة الفيس بوك الخاصة بها وختمت حديثها من لم يؤمن بالمعجزات عليه أن يؤمن الآن. اتصل العديد لمعرفة رقم حساب منظمة أبوسن الخيرية ولكل الذين فاتهم معرفة رقم الحساب واستجابة لطلبهم المقدر هو: 13576 بمصرف السلام الخرطوم ولا أضاع الله أجر من أحسن عملاً.