للفنان الأمريكي (ري شارلس) أغنية شهيرة ترجمتها (جورجيا في بالي Georgia is in my mind). وكذلك السودان دائماً (على بال) واشنطن. حيث يتبوَّأ مقعده في(نار السياسة الأمريكية) أو(نارالأطماع الأمريكية). في هذا السياق قدّم مركز العلاقات الدولية السوداني ومقره (قاردن سيتي) بالخرطوم رصداً دقيقاً في تحليله الرّبعي للنشاط الأمريكي في السودان وجنوب السودان، في الفترة من يونيو - أغسطس 2012م، وهي الفترة التي سبقت توقيع اتفاق أديس أبابا الأخير بين السودان وجنوب السودان. سبق توقيع اتفاق السودان وجنوب السودان في العاصمة الأثيوبية في 28/9/2012م، نشاط سياسي أمريكي متزايد للضغط على السودان. حيث أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً يوم 16/يونيو 2012م، دعت فيه حكومة السودان إلى ما أسمته (احترام حقوق المواطنين في حرية التغيير والعمل على إنهاء اعتقال الصحفيين وإيقاف الصحف). لكن تلك الخارجية الأمريكية لم تصدر بياناً عندما سقط اثنان من الشباب الشهداء في مظاهرة سلمية أمام السفارة الأمريكية في سوبا، في جمعة نصرة الرسول صلي الله عليه وسلم. وطلبت واشنطن إرسال مارينز الى سفارتها في الخرطوم ولم تطلب إرسال مارينز إلى قنصليتها في (بني غازي) حيث قتِل سفيرها. السؤال المنطقي أن إذا لم تكن سفارة واشنطن تشعر بالأمان في الخرطوم لماذا لا تغلق واشنطن تلك السفارة إلى حين شعورها بذلك الأمان «المفقود»، أو كما تصطنع. كذلك أدانت الخارجية الأمريكية في يونيو الماضي اعتقال المتظاهرين في الخرطوم وما أسمته إساءة معاملتهم بواسطة السلطات المختصة وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين فوراً. في 27/يونيو 2012م كتبت مجلة (فورين بوليسي) مقالاً عن (الإحتجاجات في السودان)، أى المظاهرات، وتساءلت عن إمكانية هبوب رياح الربيع العربي في السودان، غير أنها استدركت أن المظاهرات بحسب عبارتها، كانت محدودة وتمّ تطويقها وإجهاضها ب (وحشيَّة). كما أجمعت العديد من الصحف الأمريكية (نيويورك تايمز، لوس أنجلوس تايمز، كرستيان ساينس مونيتر) على أنّ مظاهرات المعارضة السودانية في يونيو 2012م كانت محدودة، ومتفرقة وتمّ فضها بسهولة. كما وصفت تلك الصحف المعارضة السودانية بأنها ضعيفة ومنقسمة وأن فرضية قيام ربيع عربي في السودان مستبعدة وغير ملائمة. كل ذلك أعلاه يشير إلي حقيقة الحضور الدائم للشأن السوداني في الذهن الأمريكي. وفي سياق الضغوط الأمريكية المتصاعدة ضد السودان في أعقاب قرار مجلس الأمن رقم 2046، طلبت السفيرة الأمريكية في جوبا (سوزان بيجي)، من حكومة السودان تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2046، والذي دعا لانسحاب قوات البلدين (السودان وجنوب السودان) من منطقة (أبيي) التي تثير حكومة جنوب السودان نزاعاً حولها. وقالت السفيرة الأمريكية في جوبا (إن على الخرطوم سحب قوات الشرطة من «أبيي»). كما قامت السفيرة الأمريكية بزيارة أبيي بتاريخ 3/7/2012م. ثم قامت الولاياتالمتحدة في 30/7/2012م بقيادة حملة تحذير دولية ضد السودان (ليبذل مزيد من الجهود نحو تحقيق السلام خلال أسبوع)، وإلا تعرض لمواجهات عقوبات مجلس الأمن التي قد تفرض عليه يوم الخميس 2/8/2012م في حال عدم التوصل إلى اتفاق لحلّ أزمته مع الجنوب. كما قامت السفيرة الأمريكية في الأممالمتحدة (سوزان رايس) بتأكيد ما أسمته شجب الولاياتالمتحدة لقصف القوات السودانية لولاية بحرالغزال في 20/يوليو 2012م. أما في 1/أغسطس 2012م فقد طالب المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان (بريستون ليمان) بضرورة قبول السودان بإقامة منطقة عازلة وفق الخارطة التي تقدّم بها الوسيط (ثابومبيكي) إلى مجلس الأمن والتي تمّ تضمينها منطقة (الميل 14) جنوب (بحر العرب). وفي جلسة مجلس الأمن بتاريخ 9/أغسطس2012م، قام الوفد الأمريكي في مجلس الأمن بتوزيع مسوَّدة بيان رئاسي ترحِّب بالتوقيع على الإتفاق النفطي في مفاوضات أديس أبابا، لكن في فقرات أخرى رفضت المسوَّدة عدم قبول السودان خريطة (أمبيكي) بعد تحفظه على ضمّ منطقة (الميل14) ببحر العرب إلى جنوب السّودان. في سياق تصعيد الضغوط الأمريكية ضد السودان عقب قرار مجلس الأمن رقم (2046)، أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً في 9/يوليو 2012م تحي فيه حكومة الجنوب بمناسبة مرور عام على (الإستقلال) وتؤكِّد بناء شراكة قوية بين الولاياتالمتحدة وحكومة الجنوب. كما أصدرت السفيرة الأمريكية في الأممالمتحدة سوزان رايس تهنئ فيه شعب جنوب السودان ب (الإستقلال) وقيام دولة ذات سيادة «بعد نصف قرن من الألم والصراع». في3/8/2012م أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون خلال زيارتها (جوبا)، عن تقديم مبادرتين لدعم أداء قطاع الطاقة والحدّ من الفساد، أى مبادرتين تعنيان بالنفط والشفافية، لكي يسهل على الإدارة الأمريكية متابعة إيرادات بترول جنوب السودان ليبقى، كما ترى واشنطن، بعيداً عن أيدي المفسدين كما حدث في الفترة السابقة، كما قدمت وزيرة الخارجية الأمريكية خلال زيارتها جوبا (مبادرة حكم الطاقة والقدرة)، وهي عبارة عن عملية تدعم فيها الخارجية الأمريكية تقنياً البلدان حديثة العهد بإنتاج البترول والغاز خلال العقد القادم، وذلك بتدريب الموارد البشرية الفنية والهندسية ورفع القدرات في مجال التحليل الجيوكيميائي والجيوفيزيائي والبيئي والإدارة المالية. وقد أعلنت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون خلال زيارتها (جوبا) أن الكونجرس بتاريخ 2/8/2012م طلب من الإدارة الأمريكية إضافة جنوب السودان إلى قائمة الدول المؤهلة للإستفادة من مبادرة قانون النمو والفرص لأفريقيا (AGOA). على حين تتصاعد الضغوط الأمريكية ضد السودان قبل وبعد قرار مجلس الأمن رقم (2046)، وقبل وبعد اتفاق أديس أبابا الأخير، يقابلها من الجانب الآخر الرعاية الكاملة لدولة جنوب السودان. في 17/أغسطس 2012م عقدت وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الخزانة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) مؤتمراً للمانحين خاص بجنوب السودان، حيث شارك وفد من جنوب السودان والمانحين الدوليين والمؤسسات المالية في واشنطن، كما شارك في المؤتمر المملكة المتحدة والنرويج والإتحاد الأوربي وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي وبعثة الأممالمتحدة في جنوب السودان والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي. حيث ركَّز المجتمعون على الأوضاع الإقتصادية والإنسانية في دولة جنوب السودان وإنفاذ اتفا قية النفط الموقعة مع السودان في أغسطس 2012م، كما اتفق المشاركون على العمل سويَّاً لمساعدة جنوب السودان على استئناف إنتاج البترول. سبق مؤتمر المانحين الخاص بجنوب السودان لقاء في 16/8/2012م بين وفد حكومة جنوب السودان برئاسة وزير شؤون مجلس الوزراء (دينق ألو) مع نائب مدير المعونة الأمريكية (دونالد ستيتبيرج)، حيث تمَّت مناقشة مسائل الأداء المالي والشفافية. تلك الضغوط الأمريكية التي ظلّت تتصاعد ضد السودان لصالح جنوب السودان، تمّ (تطريزها) بمزيد من الضغوط أمس السبت 6/أكتوبر2012م، حيث دعت السفيرة الأمريكية في الأممالمتحدة (سوزان رايس) إلى استئناف المحادثات السياسية بين حكومة السودان وقطاع الشمال، كما أعلنت (رايس) دعم واشنطن لمقترح أمبيكي بشأن أبيي، كما أشارت إلى أن مجلس الأمن ينظر إلى قضية المنطقتين (ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان) باعتبارها قضية مركزية، وأعلنت (رايس) أنّ واشنطن ستواصل الضغط من أجل تقدّم بشأن المنطقتين. وما تزال الضغوط السياسية الأمريكية ضد السودان تتوالى قبل قرار مجلس الأمن رقم (2046) وبعده، كما ظلت تتوالى قبل اتفاق أديس أبابا الأخير وبعده، وذلك حتى يكتمل افتراس السّودان بالتفاوض، افتراساً عجزت عنه الحرب. هل فقدت حكومة السودان القدرة أمام أمريكا على قول (لا)، وإن كان يدعم موقفها الخرائط والوثائق ونصوص اتفاقية نيفاشا!. ماهي نهاية الطريق، طريق أن تفقد الخرطوم القدرة على قول (لا) أمام واشنطن!. --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.