هذه هي المجموعة الأولى للقاصة درية محمد صالح التي تحتوي على عشرين قصة قصيرة. تتراوح بين النفس القصير والطويل في كتابة القصة. والعنوان نفسه «السيمفونية الخضراء» يعتبر عنوانًا جاذبًا ومحفزًا للمتلقي.. بحيث يمثل كما يقول النقد الحديث العتبة الأولى والمهمة في الدخول الى النص. ومع الغلاف الأخضر يكتمل التحفيز الرومانسي للدخول في قلب النصوص القصصية. خاصة أن العنوان هو نفسه عنوان لإحدى القصص أو هو مفتتح البداية في هذه المجموعة. ومن سمات هذه المجموعة الميل الى الكتابة بمدرسة الواقعية الاجتماعية. وهي مدرسة ما تزال مسيطرة على الكتابة السردية من قصة ورواية. وهي تظهر واضحة في الكتابة النسائية في السودان. تمتاز اغلب النصوص القصصية في هذه المجموعة بالبداية الاستهلالية الجيدة. وهي أيضًا مقدرة في الكتابة السردية في القصة والرواية لا يستهان بها. وتخل أيضًا كما يقول الناقد الروسي الشهير «تيودوروف» في في ما يسمي «تحفيز البداية» أو ما يمكن أن نطلق عليه تحفيز المواصلة في تكملة القراءة حتى النهاية. تقول في بداية قصة «السيمفونية الخضراء» «وأنا أفتح باب شقتي الصغيرة سمعت وقع خطوات رتيبة على السلم : «طق طق» وكأن أحدًا يصعد السلم. في تثاقل أخرجت المفتاح من ثقب الباب من الداخل ووضعته بثقبه بالخارج وأنا أرهف السمع. وانتظرت علَّ أحدهم قد أتى لزيارتنا فاليوم عيد» من هذه البداية التي جاءت في مقطع صغير نستطيع أن نلاحظ المقدرة السردية للقاصة «درية صالح» وهي تستخدم الجملة الفعلية بمقدرة سردية جيدة. وهذه الجملة الفعلية المتحركة هي التي تدفع الحدث ومن ثم حركة الشخصية التي تصنع الحدث الى الأمام. ومن هذا المقطع الصغير المكان «شقة» وعرفنا الزمان «يوم عيد» وأن الشخصية تعاني من الوحدة ممزوجة بالاكتئاب فهي تخاطب شخصية أخرى قد تكون هي نفسها. وهي لم تحس أيضًا بمرور العيد. وأغلب البدايات في هذه المجموعة القصصية تمتاز بهذه البدايات الرائعة. ولكن ما يضيع هذه النصوص في كثير من الأحيان هو النهاية التي لا ترتقي الى قوة البداية ومن ثم توقع افق القارئ. وهذه النهاية هي التي تسمى في علم السرد «بلحظة التنوير الكبرى». ودائمًا كنا نقول بأن الكتابة عن السطح الخارجي للواقع السوداني تجعل الكتابة القصصية والروائية سهلة التناول ولأنها أقرب الى الصدق الحدثي والذي يقيد انطلاق المقدرة التخيلية عند القاص أو الروائي. فتكون أقرب الى تسجيل ما شاهده أو ما سمعه الراوي في المحيط الأقرب اليه. وهذا ما يدعو الناقد لأن يقول بأن «الراوي» هو نفسه الكاتب ينقل الحقيقة ولا يستخدم وظيفة الخيال عنده. وبما أنه ينقل الواقع فان الواقع لا يحمل جديدًا أو غريبًا في سطحه الخارجي لذلك تأتي النهايات في مثل هذه القصص عادية تخلو من الغرائبية. ودائمًا ما كنا نقول بأن الدخول في أعماق المجتمع والتسلل الى فجواته هو الذي يولد التجديد والحداثة في الكتابة القصصية والروائية. وهو الذي يتيح للكاتب أن يشحذ ملكة الخيال عنده. لغة الكاتبة «درية صالح» تعتبر لغة سلسة وطيعة وأقرب إلى لغة السرد القصي التقليدي. وهي لغة سليمة ومقنعة بالنسبة للقارئ العادي بمعنى أن مقتضى الواقع الذي تكتب عنه لا يتطلب لغة معقدة أو لغة رومانسية ذات شعرية عالية. رغم تفلتها أحيانًا في بعض النصوص. فاللغة عندها مقيدة بالحدث وليست منفلتة. وهو أيضًا مما يقوله النقد الحديث من أن نقل الواقع السطحي غالبًا ما يجعل لغة الكاتب أقرب الى اللغة المدرسية. والتي يجب أن تلتزم بقواعد النقل الصارمة والأمينة. وقد كانت فعلاً قصة «السيمفونية الخضراء» بداية مشجعة للقارئ لكي تكون أغلب قصص هذه المجموعة تدور حول ذات البطلة أو البطل الشخصية. وهي كتابة يمكن أن تفتح الباب عاليًا للكتابة بتقنية «تيار الوعي» وهي كتابة تتيح المجال واسعًا للكاتب في أن تظهر البصمة الأسلوبية الخاصة عنده. فهي قصة لشخصية يبدو أنها تعاني من الوحدة ومن الشعور بالضيق منها وكان يمكن لنا أن ندخل في وعيها الداخلي عن أسباب هذه الوحدة التي جعلها تتمن« أن يكون هذا الصوت هو صوت انسان يريد أن يزورها وأن يكسر رتابة الحياة والوحدة عندها خاصة واليوم هو يوم الزيارة والمعايدة «يوم العيد» لنكتشف في النهاية أن هذا الصوت ليس إلا صوت «مكيف الهواء».