بعد مفاوضات مضنية تجاوزت التوقيت الزمني لإتمامها والذي قُدِّر له «48» ساعة بين الرئيسين عمر البشير وسلفا كير ميارديت ليصل إلى خمسة أيام جاء التتويج بتوقيع اتفاقيات أديس أبابا بين دولتي السودان وجنوب السودان في السابع والعشرين من سبتمبر الماضي وبالرغم من الاحتفاء الدولي والإقليمي والأممي بالاتفاق إلا أن المخاوف أطلت برأسها بقوة على إثر ما اعتبرته الأحزاب والمتابعون مهددات محدقة بالاتفاق وهي بقاء أزمة أبيي على ما هي عليه فضلاً عن الحدود، وكذا قضية المنطقتين «ولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان» في الوقت الذي لم تهتم فيه التوقعات كثيرًا لمنطقة «14» ميل إلى أن جاءت تصريحات والي شمال بحر الغزال بدولة الجنوب بول ملونق عبر مؤتمره الصحفي الذي عقده في جوبا في نفس اليوم الذي وصل فيه سلفا كير والذي رفض من خلاله الترتيبات الخاصة بالمنطقة، ودعا الشباب فيها للدفاع عنها باعتبارها منطقتهم التي لن يتنازلوا عنها، وفي تفاصيل الترتيبات المتعلقة ب«14» ميل التي ورد ذكرها في البند «3» من اتفاقية الترتيبات الأمنية المذيَّلة بتوقيع وزيري الدفاع بالبلدين وممثل الاتحاد الإفريقي الجنرال عبد السلام أبو بكر نصت التفاصيل على انسحاب جيشي البلدين من المنطقة على أن تُدار عبر الإدارة الأهلية كما كان عليه الحال في عام «1924» ويبدو أن تحريض ملونق قد أثمر سريعًا فقد تظاهر آلاف الجنوبيين وفقًا لخبر «سودان تريبيون الذي نقلته الإنتباهة» أمس بمدينة أويل بشمال بحر الغزال رفضًا للاتفاق الذي قضى بجعل المنطقة منزوعة السلاح وطالبوا سلفا بإعادتها وأشاروا إلى أنها لم تكن في اتفاق نيفاشا وبالتالي فإنهم لن يتنازلوا عنها، وعزَّز ذلك الموقف حديث مسؤول قطاع الشباب بالحركة الشعبية ملوال دينق بأن شباب الجنوب لن يقبل بذهاب تلك المنطقة للسودان وفي الاتجاه نفسه علق عضو برلمان الجنوب دانيال أكو بأن مفاوضي دولة الجنوب ليس لديهم معرفة كاملة بحدود تلك المنطقة لينفي تبعيتها لدارفور ذلك ما كان عن ردة الفعل الجنوبية بعد الاتفاق ولكن ماذا عن كواليس التفاوض فيما يختص ب«14 ميل» ؟ تشير المعلومات التي تناولتها صحف الخرطوم إبان التفاوض أن الجدال حول المنطقة كان له دوره في تطاول المفاوضات ومن التسريبات التي حملتها صحف الخرطوم أن البشير خاطب نظيره سلفا بالقول: «نحن تركنا لكم الجنوب وانتو ما عايزين تتنازلوا عن عدة أميال» وذلك في معرض النقاش حول منطقة «14 ميل» التي احتلتها قوات الجيش الشعبي في مرحلة الفترة الانتقالية لاتفاقية نيفاشا، ومعلوم أن المنطقة التي تقع في ولاية شرق دارفور من المعاقل الرئيسة لقبيلة الرزيقات، ولمزيد من تدعيم موقف السودان حول المنطقة طلب وفد التفاوض السوداني بأديس حضور أعيان وعمد الرزيقات ب «14 ميل» فانطلقوا يتقدمهم والي شرق دارفور اللواء محمد فضل الله حامد وبرفقتهم كل الوثائق التي تثبت تبعية المنطقة للسودان، ورغم ضيق الوقت إلا أنهم وصلوا لأديس وقدموا دفوعاتهم التي أثلجت صدر الوفد المفاوض لتصل الدولتان في نهاية المطاف إلى التوافق أعلاه بشأن المنطقة والتي رفضتها شمال بحر الغزال.. إذن إلى أي حد يمكن أن تؤثر حالة الرفض الجنوبي تلك على قرار حكومة الجنوب؟ الفريق أول محمد بشير سليمان نائب والي شمال كردفان أشار إلى أن واقع الحال في قضية «14 ميل» بل ومختلف القضايا التي تناولتها اتفاقيات أديس أبابا قد خرجت عن يد حكومة الجنوب وآل الفصل فيها للاتحاد الإفريقي عبر آليته الرفيعة ولمجلس الأمن الذي اعتمد خارطة الآلية واستند إليها في القرار«2046»، وأوضح في إفادته ل«الإنتباهة» أمس أن تأثير الرفض الشعبي سيكون محدودًا في إطار المنطقة التي حدث فيها، وبالإشارة إلى ملونق القيادي النافذ في الحركة الشعبية وأنه أول من قد تبنى هذا الرفض أوضح الفريق بشير أن القضية ليست قضية والٍ هنا أو مسؤول هناك، القضية صارت دولية، وفي حال أن دولة الجنوب حادت عن الترتيبات ذات الصلة ب«14» ميل فإنها ستغامر بالسند الدولي الذي تتمتع به خصمًا على السودان كما أنها ستعرض نفسها لقرار أممي تحت البند السابع «التدخل العسكري» استنادًا لتلك الحيثيات توقع الفريق بشير أن تلتزم باتفاقها بشأن منطقة «14» ميل، ويرجح كفة هذا التحليل أن دولة الجنوب الحليفة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي عمومًا لم يعفها ذلك القرب من الانتقادات المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان التي أشارت إليها منظمة العفو الدولية مؤخرًا فضلاً عن انتقادات بعثة الأممالمتحدة بالجنوب، وبالرغم من ذلك فإن الأيام القادمة هي التي ستفصح عن ماهية الكفة التي سترجحها جوبا: كفة الضغوط الشعبية أم الدولية.