بالأمس كنت حضورًا وشاهدًا على أن السودانيين حينما يغادرون بلدهم إلى فضاءات الغربة فإنهم يحرصون على أن تكون قيمهم وسماتهم في رفاق معهم يرحلون إلى هناك بكل موروثاتهم الإنسانية وتواصلهم الحميم دون الاعتبار إلى تعقيدات السياسة والتنظيم أو حتى تقاطعات القبيلة. وقد أتاح لي نفر كريم من السودانيين بمكة المكرمة ان أكون أحد الحاضرين ضمن مجموعة من السودانيين الذين استجابوا لنداء الحج هذا العام في جلسة احتفائية على مائدة شواء بمزاج سوداني خالص تجلت فيه قيمة «السودانوية» بكل منطلقاتها الاجتماعية والسياسية والفكرية جلسة اقنعتني كثيرًا بأن السودانيين بالمهجر لا خوف على تواصلهم، يقفزون فوق الحواجز لممارسة فضيلة الوصل والتواصل يتباهون بميراث الشهامة والكرم وهي ذات الافضلية التي برع فيها السودانيون عبر التاريخ واخلصوا لها. وأجمل ما شاهدته في هذه الجلسة المخاشنات البريئة التي كانت كما العطر والنسيم الخريفي الذي ينسرب بين الجالسين.. كنت حريصًا ان أكون مستمعًا بارعًا حتى ارصد كل شاردة وواردة وادعي بانني نجحت كثيرًا في ذلك وهي الفضيلة التي يصعب أن تتوفر لدى كل شخص.. اعجبتني كثيرًا تلك المساجلات والمرافعات التي اتخذت الطبيعة الثقافية والحضرية والتنموية مقياسًا ومعيارًا لمعرفة مدى تقدم أو تحضر منطقة دون أخرى أو هكذا كان النقاش وتأكد لي تمامًا أن هؤلاء السودانيين على درجة كبيرة من الربط والترابط بمكوناتهم السودانية لكنهم ينحازون كليًا إلى مناطقهم الصغيرة.. كانوا يطرحون قضايا وافكار للإصلاح والمعالجة في حدود المسموح، يبحثون عن تنمية متوازنة وسياسات رشيدة ويناشدون الدولة بان تقف على مسافات متساوية من كل صاحب هوية سودانية، وحقيقة في هذه الجلسة كنت أبحث عن دور كبير وفاعل للقنصليات والجاليات السودانية بالمهجر ولكني لم اجد كسبًا او اسهامًا واضحًا يمكن أن يرعي مثل هذا الحراك ويطوره إلى مشروعات عملية تفيد قضية التواصل بين السودانيين وتفيد أيضًا القضايا المهاجرة وقناعتني أن لدى كل مغترب سوداني قضية محورية دفعت به إلى المهاجر يشقى كثيرًا في تخفيف وطأتها عليه.. والذي اعجبني اكثر هذا «الكشكول» من السودانيين الذي حوى تكوينات سياسية وقبلية وجهوية الا أن القيمة السودانية جعلت انه بالإمكان ان تلتقى وتتوافق هذه المكونات تحت غطاء واحد؛ شكرًا لكل الذين جمّلوا هذا اللقاء.. وشكرًا على هذه الحفاوة ودمتم