إذا كان هناك من قال إن صحيفة «الإنتباهة» اتفقت مع ياسر عرمان في رفض اتفاق أديس أبابا دون أن يفرِّق بين سببي الرفض اللذين لا يتفقان عليهما طبعاً.. والسببان هما «الحريات الأربع التي تناهضها صحيفة منبر السلام العادل، وعدم استيعاب قطاع الشمال في الاتفاق» إذا كان هناك من قال إن هذه الصحيفة تتفق مع عرمان في رفض الاتفاق لذلك سحبت الصفات التي خلعتها عليه مثل «رويبضة وشيوعي»، فماذا سيقول إذا بلغ علمه أن المسؤول السياسي لحزب الترابي قال إن الحريات الأربع قضية ثانوية ويتوقع فشلها وإنه يرى أن ينتصر التيار الذي وقف ضدها وهو المكوّن من أعضاء منبر السلام العادل ومجموعة كبيرة من خطباء المساجد وغيرهم؟!.. وإذا كان قد قال إنه يرى أن ينضم منبر السلام العادل إلى قوى الإجماع الوطني لأنه اتفق مع «عرمان».. فهل تصريحات المسؤول السياسي لحزب الترابي ستعزز ما قاله؟! إن المسؤول السياسي لحزب الترابي لا يرى أنه يتفق مع صحيفة «الإنتباهة» أو منبر السلام العادل، لكنه بحكم أنه ناشط سياسي يُقدِّم تحليلاً سياسياً بحسب معطيات معينة على الساحة، وهو أبعد الناس عن منبر السلام العادل وأقرب السودانيين إلى دولة جنوب السودان في ظل حكم الحركة الشعبية، وكان قد قال في قناة فضائية موالية للحركة الشعبية إذا انفصل الجنوب لن يعيش في الشمال بل سيغادر إلى جوبا ويطلب جنسية الدولة الجديدة لأنه لا يطيق أن يعيش هنا في ظل هذه الحكومة. وقد انفصل الجنوب ولم يذهب لطلب جنسية الدولة الجديدة. والآن لم يتفاءل بجني ثمار حلوة للحريات الأربع. ترى هل هي عودة الوعي؟! هل اقتربت ساعة تخليه عن حزب الترابي «المؤتمر الشعبي» واقتفاء أثر أهل التوبة السياسية والأوبة إلى المعين الأوّل؟! وإذا نظرنا إلى مسألة طلبه جنسية دولة جنوب السودان إذا انفصل الجنوب «وكان ذلك بالطبع قبل الانفصال» ونظرنا كذلك إلى عدم تفاؤله الآن باتفاق الحريات الأربع واعتباره له بأنه «قضية ثانوية»، نجد تناقضاً في الأمرين.. فهل لو كان قد مُنح جنسية «جنوب السودان».. كان سيرفض «الحريات الأربع» مع السودان باعتبارها قضية ثانوية وباعتبار أنها ستنهار؟! إن المزايدات والمكايدات السياسية التي تتضمنها تصريحات بعض السياسيين، وهم إما في حالة حقد أو حسد أو غَيرة لا بد أن تصطدم في يوم من الأيام بصخور الواقع والمنطق والموضوعية. لابد أن يأتي اليوم الذي يعود فيه الوعي أو يسقط فيه القناع. إن المبدأ هو ليس رفض أن يعود الناس إلى رشدهم ويتحللوا من المزايدات والمكايدات وإنما هو عقد المقارنة بين الماضي والحاضر لتأكيد من كان على حق ومن كان على باطل في أية قضية متعلقة بالوطن والمواطن. إذن ها هو المؤتمر الشعبي الذي كان مرشحه في الانتخابات لرئاسة الجمهورية هو الشيخ عبدالله دينق نيال ابن قبيلة الدينكا الجنوبية لا يتفاءل بتحقيق النتائج التي ترجوها حكومة الخرطوم من اتفاق الحريات الأربع. اللهم إلا نتيجة واحدة يراها المسؤول السياسي بحزب الترابي هي امتصاص الضغوط الدولية على الحكومة. وطبعاً هذا استنتاج غريب، فالحكومة السودانية إذا لم تمتص الضغوط الدولية وتجعلها هباءً منثوراً بأقسى حزمة تنازلات، فماذا يعني لواشنطن مثلاً وهي رأس الحية الدولية السامة ماذا يعني لها أن توقع الخرطوم على اتفاق حريات مع جوبا؟! اللهم إلا إذا أرادت واشنطن وصويحباتها أن تستفيد من هذه الحريات في التآمر على البلاد من عمقها من خلال بعض الجنوبيين المرتبطين بمشاريع الحركة الشعبية، وطبعاً هذا أسوأ من الضغوط.