شهد الاقتصاد السوداني خلال السنوات الأخيرة كثيرًا من المتغيرات ولعبت عدة عوامل منها خروج البترول دورًا كبيرًا في تدهور الاقتصاد، فمن خلال التقرير الذي أصدره صندوق النقد الدولي الذي رسم صورة قاتمة للوضع الاقتصادي بالسودان وضح أن معدل انكماش الاقتصاد السوداني خلال العام «2012م» سيصل إلى «11,2%» بينما سيتدنى الناتج القومي الإجمالي إلى «صفر %» في العام المقبل، وذلك لخروج البلاد من قائمة الدول المنتجة للبترول، ولكن تقرير الصندوق لم يأخذ في الحسبان اتفاق النفط الذي وقعه السودان ودولة جنوب السودان في أديس أبابا مؤخرًا الذي بموجبه يدفع الجنوب نحو «11» دولارًا لعبور نفطه عبر أنابيب السودان، إضافة لدفع مبلغ «13» مليار دولار للسودان الذي قد يكون له أثر على الوضع الاقتصادي وإنعاشه، بيد أن الأوضاع لم تتضح صورتها بعد، فمنذ انطلاق جولة المفاوضات بين الدولتين بشأن الاتفاق على النفط تكهن الجميع بعدم الوصول لحل نهائي لتلك القضية خاصة أن دولة الجنوب من المعروف عدم التزامها بجميع الاتفاقيات، وبالأخص رسوم تصدير النفط باعتبارها وسيلة تساعد على إعادة الاستقرار إلى اقتصاد البلدين الذي يعاني خللاً شديدًا وذلك لفقدان السودان ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي قرابة «350» ألف برميل في اليوم بانفصال الجنوب، ومن المعلوم أن العائدات النفطية تمثل «98%» من إيرادات دولة الجنوب، وأجمع خبراء في الشأن أن الاقتصاد السوداني يعيش مشكلة، تتمثل في التدهور الداخلي نتيجة التوجيه الخاطئ للموارد والفساد المستشري على المستويات كافة، إضافة إلى القيود التي تفرضها قنوات التمويل الدولية على الحكومة، وأشاروا إلى أن سمات الضعف في الاقتصاد السوداني تظهر من خلال ارتفاع معدلات التضخم ومستويات البطالة وتراجع قيمة الجنيه، إضافة إلى انحسار حجم الاستثمارات الأجنبية.. وأضافوا أن الوضع تأزم أكثر بعد انفصال الجنوب وذهاب جزء كبير من عائدات النفط التي كانت تشكل أكثر من ثلثي إيرادات الدولة خلال السنوات الأخيرة. ورأوا أن المقاطعة الاقتصادية التي يعيشها السودان نتيجة للسياسات الخارجية الخاطئة لعبت دوراً كبيراً في تشكيل الواقع الحالي للاقتصاد.. وأوضحوا أن تلك العوامل أثرت على مؤشرات الاقتصاد الكلي، حيث ارتفعت معدلات التضخم إلى نسب غير مسبوقة، وتدهور سعر الصرف بشكل كبير للغاية. وتمثل الخطأ الأكبر في نظرهم في التوجيه غير الصحيح للعائدات التي حصلت عليها الحكومة خلال السنوات التي سبقت انفصال الجنوب والتي وصلت إلى نحو «30» مليار دولار.. وأكدوا أن برنامج الإنقاذ الثلاثي الذي تضمنته ميزانية «2012م» ولد ميتاً بسبب الترهل الحكومي وعدم إيلاء الأهمية اللازمة للقطاعات الإنتاجية. ويرى الخبير الاقتصادي د. محمد إبراهيم كبج في حديثه ل (الإنتباهة) وجود اختلاف في تقديرات الناتج المحلي الإجمالي بالبلاد بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، مشيرًا إلى أن الحكومة تسعى لرفع التقديرات لرفع الروح المعنوية للمواطن، مضيفًا أن صندوق النقد لم يضع في تقديراته تأثيرات كثيرة للناتج المحلي الإجمالي، مشيرًا أن السودان توجه للقطاع الزراعي ولكن ليس بالطريقة المطلوبة حيث تمت زراعة «20» مليون فدان في القطاع التقليدي في العام «2005م» أسهمت ب «5,5%» من الناتج الإجمالي، إضافة لزراعة «18» مليون فدان في القطاع المطري شبه الآلي والذي أسهم ب «1,5%» فقط وقال إن تلك التقديرات توضح الخلل الكبير في استغلال الموارد المتاحة في القطاع الزراعي بشكل خاص، وأبان كبج أن العام الحالي مختلف كثيرًا خاصة في معدلات الأمطار حيث لم تبذل جهود في حصاد المياه والتي كان لها أن تسهم في رفع الناتج المحلي وذلك لارتفاع الإنتاج بالقطاع المطري التقليدي وشبه الآلي، وأضاف بجانب ذلك فإن اتفاقية أديس أبابا ستكون ذات أثر إيجابي، موضحًا أن تقديرات صندوق النقد الدولي لم تضع في الحسبان تلك الآثار الإيجابية على الناتج المحلي خاصة الزراعة والذي سيساهم بشكل كبير في النهوض بقطاع الصناعة كانتعاش صناعة الزيوت والسكر وغيرها.