ترافقت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي للبلاد أول من أمس، للمرة الثانية خلال أقل من شهر، مع رسالة بعثها رئيس الجمهورية للرئيس الإريتري أسياس أفورقي حملها الفريق أول محمد عطا المولى المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني الذي ظل في رحلات ماكوكية بين الخرطوم وأديس أبابا وأسمرا طيلة الفترة الماضية، مع اشتداد أوار النزاع والتوترات في ولاية النيل الأزرق. ولا تنفصل أغراض زيارة زيناوي للسودان عن سابقتها التي أتي فيها بمالك عقار معه، في محاولاته التوسط لحل الأزمة الناجمة عن تمرد الحركة الشعبية في السودان وهي فرع عن الحركة الأم في جمهورية جنوب السودان، وكانت ولاية جنوب كردفان وحدها في مرمى النيران وفي جب العمليات العسكرية إبَّان تلك الزيارة، وعقب عودة رئيس الوزراء الإثيوبي لبلده اندلعت الأحداث في ولاية النيل الأزرق، وذهبت وساطته أدراج الرياح. عودة زيناوي للخرطوم هذه المرة، لمواصلة وساطته ومبادرته تأتي في ظل أوضاع واضحة رغم تعقيدات تفاصيلها، فالأمور وصلت لنقطة اللاعودة بالنسبة لمالك عقار الذي قاد بنفسه مخططاً هو ذاته ما فعله الحلو في جنوب كردفان، وأعلن الحرب على الدولة والتمرد عليها، وواجهته الحكومة بحزم وحسم للجم تمرده، واتخذت كل التدابير الكفيلة بحفظ الأمن والاستقرار في النيل الأزرق، منها عزله وإعلان حالة الطوارئ في الولاية، وحثَّ البرلمان الحكومة والقوات المسلحة على إنهاء التمرد هناك. فما الذي يمكن أن يقدمه السيد ملس زيناوي في وساطته الجديدة، فالأمور كانت واضحة وبيِّنة منذ البداية، أن على الحركة الشعبية الالتزام ببنود ما يسمى اتفاقية السلام الشامل، ومنها تنفيذ ما ورد في بروتكول الترتيبات الأمنية والعسكرية التي تعني حل الجيش الشعبي في الشمال وتطبيق ما يتعلق بالدمج والتسريح بما يضمن وجود جيش واحد فقط في البلاد التزاماً بالقانون وسيادة الدولة، وفضلاً عن فك الارتباط العضوي والسياسي بدولة الجنوب، فالحركة الشعبية في السودان كما يعلم رئيس الوزراء الإثيوبي، ليست حزباً سياسياً مسجلاً وفق قانون الأحزاب السياسية، بل هي مجموعة من أتباع الحركة الشعبية في جمهورية جنوب السودان، لا يزال شعارها في السودان هو علم دولة الجنوب وهي دولة أجنبية، ولا تزال ولاءات قياداتها لقيادة الحركة في دولة الجنوب المتورطة بالدليل الدامغ في أحداث النيل الأزرق وقبلها جنوب كردفان. وأية مبادرة لحل النزاع في النيل الأزرق لا يمكن قبولها إذا كانت تعني الرجوع للمربع الأول، فمن فائدة المنطقة كلها وإثيوبيا خاصة، ألا تعود الأوضاع لسابق وضعها، ويجب أن تكون هناك ترتيبات جديدة وحسم نهائي لظاهرة التمرد في النيل الأزرق الذي ظل منعكساً بكل مضاعفاته على إثيوبيا منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، وإذا استمرت الأوضاع كما هي في وحول اللاحل واللاحسم، فإن تداعيات هذا التمرد العنيف ستنتقل لكل الجوار الإقليمي، وتغري الكثير من الجماعات المتمردة والطامعة في كيانات خاصة بها بنهج ذات النهج الذي تشجعه القوى الدولية الطامعة في الإقليم كله. ما يحدث في السودان له ارتباطات بجوارنا في الشرق سواء كانت إثيوبيا أو إريتريا، وأسمرا بدورها لها علاقة بملف دارفور وتأمل كثير من الحركات المتمردة في دارفور أن تكون هي البديل بعد سقوط القذافي، كما أن هناك بوادر ظهور عناصر معزولة من الشرق تطمع في ملاذات تنطلق منها في ولايات الشرق، ولذلك يشكل استقرار الأوضاع، فائدة للجميع لا تجدي معه الحسابات غير الدقيقة للبعض في علاقاته مع السودان.