ديمومة السلام في منطقة القرن الإفريقي تعتبر من أهم الأهداف الإستراتيجية التي تسعى لها بعض الدول ذات النفوذ الدولي وذات النفوذ والتأثير في الساحة السياسية في محيط القارة الإفريقية، وضمن تلك الدول هي إثيوبيا، والتي ظلت تحتضن المؤسسات الأفريقية والدولية والمنابر التفاوضية للنزاعات التي تنشب في القارة عامة والقرن الإفريقي، خاصة الشأن السوداني ولذلك فإن عملية السلام بالسودان تأتي ضمن أكبر اهتمامات أديس أبابا في كون أن السلام في السودان هو السلام في إثيوبيا، والواقع أن العلاقات السودانية الإثيوبية علاقات إستراتيجية وان شهدت القطيعة والخلاف، إذ لا غنى للسودان من التعاون مع إثيوبيا وبذات الفرضية تكون إثيوبيا أكثر احتياجا للسودان في كل شئ. ويأتي حرص إثيوبيا على ديمومة السلام في السودان في المباحثات التي تجري في أديس أبابا بين الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بشأن القضايا التي لم يتم التوصل إلى حل حولها في اتفاقية السلام الشامل، بجانب الحراك السياسي داخل أروقة الاتحاد الإفريقي والذي يتخذ من أديس أبابا مقراً له، ولم تتوقف إثيوبيا في حد ذلك بل أعلنت مؤخراً استعدادها في الدفع بقوات لحفظ السلام بمنطقة أبيي، وأتت أخيرا إلى الخرطوم تحمل مبادرة جديدة، صاغها الرئيس ملس زيناوي، لحل النزاع المسلح في جنوب كردفان وتفادي أية حرب أخرى في النيل الأزرق. وعلى الرغم من أن تفاصيل المبادرة التي حملها الرئيس الإثيوبي ملس زيناوي، إلى الخرطوم، بشأن نزع فتيل الأزمة في جنوب كردفان والتوتر القائم بالنيل الأزرق لم تظهر تفاصيل حولها، إلا أن سرعة استجابة الحكومة للمبادرة وما رشح من استصحاب زيناوي لرئيس الحركة الشعبية "شمال"، معه إلى الخرطوم لمقابلة البشير، تعدان مؤشرين هامين بإمكانية إزالة العقبات المتصلة بجنوب كردفان والنيل الأزرق وعودة المياه إلى مجاريها، لا سيما أن المبادرة الإثيوبية تستند بالأساس حسبما رشح من معلومات، على وساطة الآلية الأفريقية رفيعة المستوى بقيادة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثامبو أمبيكي. ووصل زيناوي إلى الخرطوم بعدما أفلح في استدعاء قيادات الحركة الشعبية "شمال"، إلى أديس أبابا واجتمع إليهم وبحث معهم كيفية نزع فتيل الأزمة الدائرة في جنوب كردفان والتوتر في النيل الأزرق، والتقى في هذا الخصوص رئيس الجمهورية، عمر البشير، وعدد من كبار المسئولين بالدولة، وطرح مبادرته لنزع فتيل الأزمة في النيل الأزرق وجنوب كردفان والتي شكلت حلولا للقضايا المتبقية، وقال زيناوي إن الغرض من المبادرة هو إيجاد حلول سلمية ترضي كافة الأطراف، وأكد في تصريحات صحفية أن بلاده حريصة على الأمن والاستقرار بالسودان الكبير شمالا وجنوبا، مشيرا إلى أن مباحثاته مع الرئيس البشير حوت طرح أفكار مشتركة من أجل مصلحة السودان والجنوب وإثيوبيا، مشددا على أن استقرار السودان يمثل استقرارا لإثيوبيا، وقال "أنا سعيد بزيارة السودان وإجراء مباحثات مهمة مع المشير البشير، والتي بحثنا فيها مبادرتنا لنزع فتيل التوتر أو نشوب حرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان ذلك باعتبار أن استقرار السودان هو استقرار لإثيوبيا وسعدت أكثر لأنني وجدت تفهما عاليا من المشير البشير، لما طرحناه وهي مناسبة أكدت فيها للرئيس البشير حرص إثيوبيا ودعمها لأمن واستقرار السودان، وأكدت له أن ما بدأناه من استضافة للمفاوضات والمحادثات بشأن جمهورية السودان ودولة الجنوب سنستمر فيه حتى يتم التوصل لحلول ترضي الطرفين وذلك وصولا للأمن والسلام والاستقرار في السودان"، وأضاف زيناوي قائلا: "لقائي بالبشير الصديق الوفي كان فرصة سانحة لإجراء المزيد من المشاورات وطرح العديد من الأفكار لنزع فتيل التوتر في السودان"، وتابع "بالطبع أننا نستضيف المحادثات بين الأطراف السودانية ونسعى للوصول لحلول مرضية لكافة القضايا المتبقية". ورحب الرئيس البشير، بمبادرة الرئيس الإثيوبي، وقال "إن ملس زيناوي حريص على أمن وسلامة السودان وهو مدافع قوى عنه، ويعبر عنه بشكل قوى جداً في جميع المواقف على حد قوله" وأضاف في تصريحات للصحفيين موضحا أن زيناوي طرح مبادرة لنزع فتيل الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وقال "إن الرئيس الإثيوبي ظل يدافع عن السودان في كافة المحافل الإقليمية والدولية وحتى في اللقاءات الشخصية مع الأطراف الأخرى"، وأردف بالقول "نحن نرحب به باسم الشعب السوداني كصديق وأخ حميم للسودان ونرحب بالمبادرة التي طرحها ونشيد بها. وأبلغت مصادر سودانية وكالة الأنباء الكويتية "كونا" أن "قادة الحركة الشعبية ابلغوا رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي موافقتهم على مبادرته بعد موافقة الرئيس عمر البشير عليها"، مضيفةً أن "جولة مفاوضات ستبدأ بين أطراف النزاع خلال الشهر المقبل بغية الوصول لتسوية نهائية وشاملة للازمة التي اندلعت قبل أيام قليلة من انفصال الجنوب في التاسع من يوليو الماضي". وذكرت تقارير صحفية أن زيناوي وصل الخرطوم برفقة رئيس الحركة الشعبية، الفريق مالك عقار، في إطار وساطته، وذلك بعدما التقى بقيادات من الحركة ضمت نائبه عبد العزيز الحلو والأمين العام ياسر عرمان، في أديس أبابا قبيل مغادرته إلى الخرطوم، وتطرق اللقاء إلى الأوضاع بجنوب كردفان والنيل الأزرق والوساطة التي يقودها ثامبو أمبيكي. وعلى الرغم من التفاؤل الذي ساد بعد الأوساط السياسية بطبيعة المبادرة وشكلها إلا أن هناك بعض المحليين السياسيين والمقربين من الشأن الأفريقي يرون أن المبادرة لم تخرج عن السياق الدولي الذي تحكمه طبيعة التعامل مع السودان، وبحسب السفير حسن جاد كريم أن مبادرة زيناوي لم تخرج عن سياق ما تطرحه الوساطة الأممية الإفريقية بشأن السلام بالسودان، وقال ل(الرائد) في رأيي الشخصي أن مبادرة الرئيس زيناوي لم تكن فردية خاصة وإنما محفوفة بذات الاتجاهات السابقة للأمم المتحدة والوساطة المشتركة، وأضاف لا يمكن أن نعزل تلك المبادرة عن الجهود الدولية والأفريقية مهما كانت. وتابع جاد كريم حتى الآن أن أجندتها غير مضمونة، مشيرا إلى أن مثل تلك المبادرات ظهرت خلال قضية الجنوب والتي أدت لانفصاله. وذكر السفير أن الدور الأفريقي ضعيف جداً في الضغط على المجتمع الدولي، وتساءل لماذا لم يقد زيناوي مبادرة لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، مشيراً إلى أن السودان قد حقق العديد من الانجازات في سبيل تحقيق السلام ولم يجد التشجيع الكامل من قبل المجتمع الدولي والأممالمتحدة مشيرا إلى الوعود التي ظلت تطلقها تلك الجهات، وأشار جاد كريم إلى أن القوات الإثيوبية في أبيي تحت سيطرة الأممالمتحدة من ناحية البرنامج والتمويل الأمر الذي يؤكد أن الخطوة التي أقدم عليها زيناوي لم تخرج عن سياق النظام الأممي. وتزامنت المبادرة الإثيوبية مع تحركات مكثفة تقودها الحكومة بشأن الأوضاع في جنوب كردفان، تمثلت في تشكيل لجنة من وزارات، الخارجية، العدل، الدفاع، الشؤون الإنسانية، الإعلام وجهاز الأمن والمخابرات، ذلك، لمتابعة التطورات السياسية والإنسانية والإعلامية بالمنطقة، وإعداد تصورات ومقترحات للتعاطي مع تلك الأوضاع ورفعها إلى المستوى الأعلى للنظر فيها، وكشف المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير العبيد مروح في تصريحات أمس الأول، عن تحرك فريق قوامه عدد من الجهات ذات الصلة، بقيادة وزارة الشؤون الإنسانية ويضم ممثلين عن برنامج الغذاء العالمي، ومنظمة اليونيسيف، المفوضية السامية للاجئين، الصحة العالمية ومنظمة الهجرة الدولية، إلى جنوب كردفان لتقييم الأوضاع الإنسانية، وتستغرق مهمة الفريق أربعة أيام ينتظر أن يرفع بعدها تقريراً عن الاحتياجات الإنسانية المطلوبة، توطئة لمعالجتها. وجاءت المبادرة الإثيوبية على اثر العديد من المبادرات الداخلية التي انطلقت في أعقاب الحرب التي اندلعت بجنوب كردفان منذ أوائل يونيو الماضي، وكانت آخر هذه المبادرات تلك أطلقها، الفريق دانيال كودي، أحد القيادات المؤسسة للحركة الشعبية، بجانب مبادرة القوى السياسية بالمنطقة ومبادرة جامعة الخرطوم، ومبادرات شخصيات وطنية، وقد نادى رئيس حزب العدالة الأصل مكي علي بلايل في حديث مع "الرائد" مؤخرا إلى تجميع تلك المبادرات تحت مظلة مبادرة واحدة وبأي مُسمى، لافتا إلى أن كل المبادرات المطروحة لم تختلف في جوهرها، حيث لم تتجاوز المبادرات خمس نقاط محورية تمثلت في المطالبة بوقف إطلاق النار وإغاثة المتضررين جراء الحرب وبدء تنفيذ برنامج الترتيبات الأمنية لاستيعاب المقاتلين المنسوبين للحركة الشعبية وتهيئة الأجواء للحوار لإيجاد الحلول الدائمة.