بدأ الأمر بتصريح كان قد أطلقه قبل عدة أشهر رئيس الجمهورية عمر البشير في لقاء صحفي حيث قال إنه لن يترشح مجدداً لرئاسة الجمهورية للولاية القادمة ليفتح بذلك الباب لتكهنات بعض المراقبين للشأن السياسي السوداني، وقد برزت بعض التخمينات الغريبة التي أشارت إلى بعض أعضاء المؤتمر الوطني في سياق الحديث عن مرشح المؤتمر الوطني «الحزب الحاكم» في الانتخابات القادمة. في هذا الوقت وفي مناخ فعاليات الحركة الإسلامية السودانية وأجواء نشاطها التنظيمي الذي ينظر إليه وكأنه جاء كإنعاش لها بعد مراحل فتور وكسل لعله بسبب تحقيق الوصول إلى السلطة، في هذا الوقت وبعد تصريح البشير حول مسألة عدم ترشحه مجدداً جاء في الأخبار أن هناك اتجاهاً داخل عضوية الحركة الإسلامية تتبناه فئة مؤثرة جداً في صفّ قيادة الحركة الإسلامية إلى جانب زعامته للإسلاميين، مع أن والي شمال دارفور عثمان محمد يوسف كبر قد يواجه اختيار واحد من المنصبين بعد ترؤسه للحركة الإسلامية بالولاية، ولا يستقيم أن تتعامل الحركة الإسلامية بمعايير مزدوجة، ومنصب الوالي ليس أهم ولا أكثر إشغالاً من منصب رئيس الجمهورية. ويبدو أن تصريح البشير المسبق هو الذي وفر الجو الملائم داخل قيادة الحركة الإسلامية للحديث عن تسمية المرشح الجديد لرئاسة الجمهورية، وإذا كان هو النائب الأوّل لرئيس الجمهورية، فهو بالطبع ليس بعيداً عن منصب الرئيس إذا فاز به في الانتخابات القادمة المؤتمر الوطني، ودعونا نتحدّث بلغة انتخابية، مادام أن هذا الأمر لا يتجاوز صناديق الانتخابات، ويمكن أن يكون الأستاذ علي عثمان محمد طه هو الأنسب، أو من المناسب جداً للترشيح من ناحية أن تحوّله من الرجل الثاني إلى الأوّل لن يؤثر سلباً على أي برنامج سياسي أو اقتصادي أو قانوني، وسيمضي الحال السياسي كما هو غير أن كثيراً من الجماهير سيوحشها الرئيس البشير، وستحن لأنسه معها في الهواء الطلق.. سيبكي ألم فراقه حتى بعض المعارضين، ولا أدري كيف سيكون حال المحامي غازي سليمان؟!.. وآخر تصريح له أمس الأوّل كان عنوانًا لبعض الصحف وصف فيه المعارضة بأنها عميلة، وغازي سليمان هو رئيس منبر استرداد الديمقراطية؟! أتراه الآن من الذين يؤمنون بحلول «ديمقراطية رابعة» لن يترشح البشير لولايتها الثانية؟! لكن من يُقنع «ديك المعارضة»، وقصة «من يُقنع الديك؟» معروفة في إرث الحكايات الشعبية. ونهاية القصة أن شخصاً قال إن الديك يريد أن ينقره لأنه يتخيله «حبة»، وقيل له هذا لا يُعقل، فقال لهم: «لكن البقنع الديك شنو؟» المهم في الأمر هو أن الحركة الإسلامية استبقت حزب المؤتمر الوطني، وتحدّثت عن مرشح هذا الحزب في الانتخابات القادمة، وهذا يؤكد أن المؤتمر الوطني جناح إستراتيجي للحركة الإسلامية وقد كتبنا هذا قبل أكثر من ستة أعوام، رغم أن الأستاذ محمد الحسن الأمين وقف ذات مرة في المجلس الوطني «برلمان ما قبل المفاصلة» وقال: «نحن مؤتمر وطني ولا نعرف الحركة الإسلامية».. انتهى.. الآن الحركة الإسلامية تستبق «المؤتمر الوطني» وتتحدث عن مرشحه الجديد في الانتخابات القادمة. وموضوع الترشح عن المؤتمر الوطني سيتطرق إليه الحزب العام القادم، فما الداعي لهذا الاستباق من قبل الحركة الإسلامية؟! ليس هناك داع إذا صح ما جاء عن المصادر، وليس من الحكمة في العمل التنظيمي. فالمؤتمر الوطني وعاء سياسي جماهيري لا يتقيد معظم أعضائه بأدبيات الحركة الإسلامية، لذلك من الخطأ التنظيمي الفادح أن يُثار موضوع الترشيح داخل أروقة الحركة الإسلامية قبل المؤتمر الوطني.