إشاعة تلو إشاعة، وسيناريو يقتل سيناريو، وضباب الخرطوم يتكاثف حيال ما وصف بالمحاولة التخريبية أو الانقلابية، لتشمل الدعايات العديد من الأسماء بما فى ذلك من عرفوا كرموز داخل الحركة الإسلامية، ومن حفروا أسماءهم فى تاريخ المؤسسة العسكرية.. كمال عبد المعروف قائد هجليج استهدفته إشاعة الاشتراك ثم الاعتقال، قبل أن ينفي الجيش تورط الرجل.. لتسرح الخرطوم فى شائعات التحقيق مع د.غازي صلاح الدين القيادى بالحزب الحاكم، عضو مجلس شورى الحركة الاسلامية والمرشح المنسحب على منصب الامين العام للحركة فى مؤتمرها الأخير، رئيس كتلة نواب الحزب الحكام فى البرلمان، ومهندس اتفاق الدوحة للسلام، قبل أن يتم تدعيمها، بإشاعة أخرى عن تقديم الرجل لاستقالته من الحزب الحاكم، إشاعة كان مصيرها النفي أيضاً. تأثير الاشاعة وإمكانية إثارتها للزوابع وخلق البلبلة، بدا واضحاً من خلال سرعة الحزب الحاكم فى نفيها عبر الناطق باسم الحزب بدر الدين محمد إبراهيم، مرجعاً ترددها بمحاولة للاصطياد في الماء العكر. استهداف غازي بالإشاعة، جعل الكثيرين ينظرون لتصريحات قطبى المهدى أمس بعين الاعتبار، قطبى قطع باجراء قدر كبير من الإصلاحات داخل أجهزة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، خلال الفترة القادمة، لجهة أنها ضرورية، وتوقع أن تكون هناك استجابة كبيرة من القيادات خلال الأيام المقبلة.. وأشار قطبي الى أن الأمين العام للحركة الإسلامية، الزبير أحمد الحسن، يجري اتصالات مع قطاعات كبيرة لاستكشاف تطلعاتها ومطالبها، ونوه قطبي في حديثه للزميلة الصحافة إلى ان الإصلاح المطلوب هو طرح الرؤى والأفكار الجديدة وفتح المجال أمامها لتصل إلى مستوى العمل، وليس تغيير وجوه وأشخاص، وأضاف(الاستعداد لقبول فكرة الإصلاح يبدأ من الوعي بالقضية على مستوى القواعد، وما جرى خلال مؤتمر الحركة الإسلامية والأحداث الأخيرة جعل القيادات تدرك خطورة الأمور). حديث قطبى وتوقيت الإشاعات حول غازى، ربطت بينهما التحليلات لجهة ارتباط د.غازى بالتيار الاصلاحي، برغم ما تتسم به رؤاه من حدة على المستوى الفكرى طبقاً لما رصدته (الرأى العام) من مناقشاته حول الحريات فى المجتمع الإسلامى، والعدالة الاجتماعية فى المجتمعات الإسلامية فى منتدى المؤتمر الوطنى بولاية الخرطوم أوائل العام الحالى.. الإشاعة وجدت موطئ قدم من القبول لدى الكثيرين على خلفية ما أبداه غازى من تأييد فى الفترة الماضية لتيار شبابي يطالب بالتغيير وإجراء إصلاحات في الحزب الحاكم عبر المذكرات تارة وعبر الاتصالات المباشرة بالقيادات تارة أخرى، بالإضافة لرفضه لتعديلات فى دستور الحركة الإسلامية تقضى بتفويض قيادة تنسيقية عليا يتزعمها الرئيس عمر البشير ونوابه ورئيس البرلمان بين الحركة والحزب والحكومة، ليعلن انسحابه على إثر تمرير النص من الترشح لمنصب الأمين العام. مراقبون يذهبون الى أن سيرة غازى فى الانقاذ هى التى أسهمت فى انطباق الإشاعات عليه، فالرجل دخل إلى دائرة الأضواء بقوة منذ توليه منصب وزير دولة بوزارة الخارجية ثم مستشاراً الرئيس للشؤون السياسية عام 1994، ثم للسلام، ووزيراً للإعلام، والأهم من كل ذلك فيما يبدو إمساكه بملف المؤتمر الوطني على أيام التخلق والتكوين.. رحلة غازي التنفيذية تلك لم يشأ لها الحزب أن تتواصل بهدوء فكانت معاركه الأولى حين كلف بمنصب الأمين العام للمؤتمر الوطنى وكان الحزب وقتها لا يزال فكرة تحبو.. ليخوض معركته الشهيرة في أول انتخابات لاختيار أمين عام منتخب، متنافساً مع الشفيع احمد محمد ليفوز غازى بحسابات عدها البعض جهوية. منذ ذلك الوقت ظل غازى يمثل للإسلاميين (جرس) الاعتراض فى الكثير من المحطات، أبرزها تلك المرتبطة بموقفه من د. الترابى، فبرز كأحد قيادات مذكرة العشرة، واعتبره كثيرون مهندساً لها.. معارك غازى، بعد المفاصلة انتقلت لمربع جديد، فبعد أن كانت داخلية تبحر صوب النقد، أخذ يشهر سيفه كوزير إعلام وناطق رسمى على إخوان الأمس أعداء اليوم من جهة والمعارضة السياسية من جهة أخرى، ليصنف فى ذلك الوقت ضمن تيار الصقور، قبل أن تتراجع تلك الصورة ويصبح أحد الموصوفين بتيار الاعتدال داخل الحزب الحاكم.. أبرز محطات تشاكس غازى مع حزبه وحركته وحكومته برزت إبان مفاوضات نيفاشا، برفضه المضى قدماً فى التفاوض بحجة التعارض مع قناعاته، ليمضى قطار الإسلاميين فى الحكم، ويبرز غازى ضمن تيار الناصحين لإسلاميي الربيع العربى على خلفية نقد التجربة السودانية، وبالرغم من ذلك ظل مواصلاً جزءا منها.. لم يعرف لغازى رغم تحفظاته ونقده وما يتردد عن تململه خروجاً عن خط الإجماع الحزبى سياسياً أو تنظيمياً، ما جعل خصومه يعتبرون علو صوته نوعاً من الاستهلاك السياسى فقط بهدف ترميزه، ويبدو أن ذلك ما نجح فيه، فأصبح محور لشباب الإسلاميين قبل غيرهم.. مراقبون اعتبروا أن المسالة أكبر من الاحتمال متوقعين خروج غازى عن المألوف ومغادرة المشهد برمته، وهو الأمر الذى خلق علامة استفهام كبيرة حيال احتمالات تحمل زجاج غازى لحجارة أبناء التجربة خصوصاً بعدما بدأ المؤتمر الشعبى فى تصيد المتململين من الوطنى بالدعوة المباشرة.. من القاهرة ، رفض بروفيسور عبد الرحيم على أمس التعليق على الإشاعات التى تدور فى الخرطوم، مؤكداً أن كل ما يدور لا يمكن الاستهانة به، كما أنه لا يمكن تحميله أكثر مما يجب، مبدياً اطمئنانه فى حديثه ل(الرأى العام) على تجاوز المسألة برمتها. مهما يكن من أمر، فإن خيارات د. غازي تبدو مفتوحة على أكثر من احتمال، فمن الوارد بالطيع أن تصدق واحدة من تلك الشائعات المنفية ويتقدم بإستقالته من المؤتمر الوطني، ويتجه أو لا يتجه لحزب آخر، أو ربما استقال من موقعه في البرلمان، وعضويته في الحركة الإسلامية، وتفرغ لقيادة إصلاح من الداخل، أو ربما وهذا هو الأرجح، ظل غازي ملتزماً بصف الوطني والحركة الإسلامية مع مواصلة لسعاته الإصلاحية من داخل المؤسسات.