عُرفت هذه الصفحة من هذه الصحيفة بأنها اتكاءة محارب.. الآن وقد ولى زمن الحرب فليس بدٌ من أن نحيل بعضها اتكاءة لمُدافع.. استدراكاً واستصحاباً ومواكبة.. قبل أن يولي زمان الدفاع.. وقبل أن تتكاثر الظباء على خراش فلا يدري خراش أي الظباء يصيد.. كثيرًا ما نجد في حياتنا حاجة لوقفة مع النفس.. وحاجة إلى أن ننتبه إلى الأحداث من حولنا عسى أن تحيل هذه (الإنتباهة) اتجاه المسير والمصير.. فنسير ونصير إلى الأخذ بناصية الحق ولو أتانا من بعيدٍ بغيض.. ونبذ الباطل وإن أتانا من قريبٍ حبيب.. وإن عَظُم المطلوب قلّ المساعدُ.. عامٌ كامل قضيناه في أحد أعظم صروح المعاهد والكليات العسكرية في بلادنا.. عام كامل قضيناه في رحاب الأكاديمية العسكرية العليا.. قضيناه سعياً بين صفا الدراسات الإستراتيجية.. ومروة العلوم السياسية.. وصعدنا عرفات الأمن الوطني.. وقضينا مناسك قوى الدولة الشاملة ننثر كنانتها ونُعجم عيدانها.. عوداً عوداً.. حتى إذا نزلنا شعاب إعداد الدولة للدفاع.. وذكرنا مقارعة الأسنّة عند مشعر البيئة المحلية الحرام.. وجدنا أن الحرب قد انتهت!!.. وإن زمان الدفاع قد تولّى!!.. فليت أيام الصفاء جديدُ.. وليت دهراً تولى يا بثينة يعودُ.. لكن ما عاد دهرٌ تولى.. وما عادت الأشياء هي الأشياء.. ومخطئٌ من ظن أن الأشياء هي الأشياء.. أو أن للثعلب ديناً وإن فكّ الارتباط.. وإن فكّ رقبة.. أو أطعم في يومٍ ذي مسغبة.. مهما يكن من أمر فقد انقضى عام ذاخر بالعلم والتحصيل والدراسة.. انفتحت له عقولنا ووجداننا على أفق جديد.. وعدنا ننظر للأشياء من حولنا والأحداث التي تجري بين أيدينا برؤية جديدة.. فالعالم قبل الأكاديمية ليس هو العالم بعد الأكاديمية.. حذواً للنعل بالنعل على ما سبق وأعلنت أمريكا عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر أن العالم قبل الحادي عشر من سبتمبر ليس هو العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر!!.. كانت أمريكا تريد قول الشاعر.. مخطئٌ من ظن أن الأشياء هي الأشياء.. أو أن للثعلب ديناً.. فكّ أو لم يفك.. وهذه سرقة أدبية أمريكية بالغة النصاب تستوجب الحد.. وكان علينا أن نقيم عليها الحد.. وكنا سنقيمه.. لولا أن العالم قبل الحادي عشر من سبتمبر لم يعد هو العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر.. تبدل العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر فتبدلت معه المواقف.. تعلمنا في الأكاديمية أن العولمة هي أن تجلس أميرة بريطانية إلى صديق مصري في عربة ألمانية ذات محرك برازيلي تم تجمعيه في الصين يقود العربة سائق بلجيكي يحمل جنسية أمريكية يعبر بهما نفق فرنسي فيعترضه شاب إيطالي يقود درّاجة يابانية تعمل بوقود خليجي تحمله سفينة يونانية يقودها قبطان روسي على ظهرها عمالة من بنغلاديش.. حقاً لم يعد العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر كما كان من قبل.. أمريكا سنّت سنة تبدل المواقف والعوالم بعد الأحداث المفصلية فسار الناس خلفها.. ولم نكن نحن غير امرئ من القوم.. فتونس قبل الثورة ليست هي تونس بعد الثورة.. ومصر قبل خلع مبارك ليست هي مصر بعد الخلع.. وليبيا قبل القذافي ليست هي ليبيا بعده.. و«نحن» بعد اتفاق التعاون ماااا نحن بعده.. تبدلت السياسات فتبدلت المواقف.. تبدلت المواقف فتبددت سحب مقطوع الطاري.. المسمّى بالمشروع الحضاري.. عميد/ محمد عجيب محمد