وللعرب بداهة ونباهة متواترة.. عبر بواديهم ومدنهم وفيافيهم القاصية.. والعرب أهل حكمة وبلاغة.. وهم في ذلك يتبارون ويتباهون، ولا تُنسى سجلات ومضابط الأعصر كمنتداهم المسمى بسوق (عكاظ)، الذي يجيد شعراؤهم نظم القوافي وتسابقهم بها.. فيه.. ومن تلقائية هذه البداهة ناصر (حسان بن ثابت) المجاهدات (النبوية)، وأباح النبي (صلى الله عليه وسلم) للشاعر الآخر أن يقول أمامه بمسجده المعلى المصان: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول حتى يقول: تنبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول فهو ( أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أبلغ وأفصح العرب. وللشعر عنده تقدير وسماع.. ولاعجابه بنظمه وشعره ألقى عليه (صلى الله عليه وسلم) بردته (أي عباءته) وعلى ذلك شطرنا نحن في مقدمة وعنوان مقالنا هذا.. شطرنا قول الشاعر.. وتكاثرت الظباء على خراش* فما يدري خراش مايصيد أي تعددت - الغزلان -وهو الصائد، والشاعر الماهر، وهي كناية عن تزاحم وتعاظم الأمر على الشخص، وإن كانت الرمزية هنا هي (الظبية)... وللظباء عند الشعراء مكانة مرموقة جليلة.. حتى قال أحدهم: ياظبيات القاع قلن لي ليلاي منكن أم ليلى من البشر أما نحن اليوم (هنا) فظباؤنا هي ما أهمنا من أمر.. وهو شأن الساعة الذي يقول عنه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، ولا ينام أو يسهو لنا طرف بالسودان و (الظباء) تترى علينا (زرافات) و (أرتالاً)، منها ما يدور حول القناعات الحالية، فيما يعتر السودان من تحديات ومخاطر.. ومنها ما يحاك عبر الأخبئة والمنتديات والاستراتيجيات العالمية.. ومنها ما نشاهده ماثلاً أمامنا من تشابك بالأيدي.. وأيسرها التعارك بالحديث وبالقلم.. ومنها جهد البث والنشر للطمأنينة وأدب الجدال.. (والعلم بالشئ ولا الجهل به) كما نقول- والمواطن السوداني في كل الظروف والأحوال والمجالات يرتحل ويتنقل مع هذه التقلبات.. لكن بيده وقلبه مكنونات النصرة.. لأن الله سبحانه يقول: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) (.. ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب).. والتعبير الجميل بلفظ (الظباء).. هو تحسين وتلطيف لأجواء ومناخات المزاج العصري والوقتي.. ونحن طرائق قددا.. وجماعات وطوائف وأحزاب ومنابر وأملنا الكبير هو أن يفرز ويتمخض عن مساحات تفاهمية تفضي لحملة بناء الوطن.. لأن (للأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق).. لا أن تختلط علينا مفاهيم الساعة الظرفية المتلاطمة.. وأن يفضي بنا ذلك لتقدير المواقف وقراءة واقع اليوم.. مقارناً بتحولات الدنيا من حولنا.. فنسعى للتفرس في وجوه وسحنات هذه (الظباء) وهي قضايا الساعة اليوم- وإن كانت ضالتنا هي الرأي والحكمة والعبرة.. فإن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.. وبالبديهة فإن عجلة الزمان والأقضية المتشابكة المتشابهة لا تتوقف.. ولذا قالت الحكمة (النبوية).. أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.. فإن قالوا: ننصره مظلوماً فكيف ننصره (ظالماً).. قال: ( إن تنصحه) إن كان ظالماً.. فنصحك إياه يحسب نصرة له.. وهو أحوج ما يكون للنصيحة في ظرفنا السياسي ( والانتخابي) هذا.. حتى لا يجري عليه ما جرى ( لخراش) صاحب (الظباء) وصائدها.. فالمنظومة الماثلة اليوم هي الدافع الإيجابي.. وإبعاد خط النفس الضيق.. أو الكيل بمكيال الكيد وعنفوان الغضب.. لأن الآخرين يمتصون جهدنا وعائداتنا ليأتونا يوماً وقد (نضبت) خزائنهم ومدخراتهم.. فيكيدوا لنا كيداً وصاحب (الحاجة) أرعن.. وقد حكمونا واستعمرونا ?يوماً- تحت مظلة (التقدمية) و(الرأسمالية) ووصفونا بالرجعية.. والتخلف.. وقد (أسلفت يوماً) أنهم أحسوا بحراكنا ولاحظوا تنامي العلم والوعي واعداد النفس.. فلا يجادلنا أحد قائلاً: إن هذا منطق (الوهم).. وإنما هو المشهد الماثل- كذلك- أمامنا.. ولنا عبر بالجيران (كالصومال) وعظائم البلدان (كأفغانستان) .. و (البوسنا والهيرسك) وما عداها عديد وكثير.. فهذا ترقب وابتداء، ولذلك نفخم وندعو لروح الوثبة الوطنية الصادقة.. ولا يعني كل ذلك إلا نتنافس في الانتخابات (الشورية) ? كما ذكرت لكم حيناً- لكن ليس منا من دعا للدونية وكشف المستور.. وليس منا من دعا لعودة (الرذيلة) وبتر صفوف (صلاة الفجر).. وليس منا من تخاذل عن نداء ( المنعة والقوة) فإننا قيل لنا: (.. إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك أو يخرجوك..) وإن العاقل من اتعظ بغيره.. فإذن ضالتنا هي (الظبية) ونرمي لمفردة العصرية.. وتعني الدعوة لأخذ المبادرة بمنطق.. ( وخذوا حذركم) وندعو بعضنا للتناصر.. وإن تكاثرت المتشابهات وتعددت.. فمثالي هذا أصوغه من شطر هذا النظم الشعري.. إنما أرمي به إلى (دنيانا) التي نحياها في عصرنا الحاضر.. وأن بعضنا في حاجة لثقافة (.. ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) ونقول جميعنا.. تنافسوا ولا تتعدوا الخطوط الحمراء.. وليس كلامي هذا وعظاً فحسب.. فالحمد لله كلنا خبرات.. وكلنا أمل في أجيالنا المتلاحقة.. وإن جنح (المحللون) على أن هذه (الصياغات)، إنما هي لهدم الحواجز والتطفيف.. لكن أصدقكم وأكرر القول.. إن من أتى بالتداول وجنح للسلم، أولى أن يُصغى إليه بدقة وطنية.. وإن من كتب خطابه للناس.. فإن (عنوانه) كما يقولون هم أنفسهم.. يقولون (عنوانه) يكفيهم ويرسم خارطة (الشورى) والإقتراع.. وهي (أي الانتخابات) تقوم عندي على متوالية ثلاثية هي الآتي: المناخ الأمني العام.. والتداول السلمي (للقرعة) ثم تحكيم النتائج... شريطة ألا تكون كفراً بواحاً.. وإلا تشابهت (الظباء) على ( خراش) وعندها لا يدري (خراش) ما يصيد.. والعاقبة لمن (أتقى).