كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن محاربة الفساد بداية من أعلى الهرم في السلطة إلى المؤسسات العامّة، وتعهدت الحكومة كثيرًا بالقضاء على الظاهرة من جذورها بمحاسبة المتسبّبين فيها مهما كانت صفتهم وذلك من خلال الجهات المتابعة لقضايا وملفات المال العام التي تضم المراجع العام ووزارة العدل ولجنة المظالم بالبرلمان، غير أن هذا التصريح لا يدعو إلى التفاؤل في ظل العجز عن توجيه أصابع الاتّهام إلى مسؤولين في الدولة خضوعهم للمحاكمة في قضايا فساد الملفات وكثير من المحاكم تكتفي بتوجيه لائحة من الاتّهامات إلى إطارات دون المساس برؤوس السلطة.. كثيرة هي قضايا الفساد التي عجّت بها المحاكم السودانية منها ما تمّ طيّه نهائيًا ومنها ما لا يزال معلّقًا، رغم ثقل الملف الذي يحتاج إلى الشفافية إلا أن كثيرًا من القضايا ما زالت عالقة مثال لذلك قضية وزير الإرشاد والأوقاف الأسبق أزهري التجاني وغيرها من المحاكم، وأشارت مؤخرًا تصريحات رئيس لجنة المظالم د. الفاتح عز الدين إلى أن الملاحقة ستطال أي معتدٍ على المال العام مهما كانت الأشخاص ودون أي مجاملة، وأوضح في تصريحات صحفية أن توجيهات النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان جاءت قاطعة في هذا الشأن مشددًا على مساءلة كل من اعتدى على المال العام، وقال لا كبير على المحاسبة.. وفي ذات الاتجاه ذهب خبير القانون الدولي بروف شيخ الدين شدو بالقول إن المال العام يجب أن يكون له احترام وخصوصية، ومافي أي تساؤل فيه مشددًا بالقول يجب أن يُحاسب كل من اعتدى مع الاحتفاظ بالحق في المال العام، وأضاف شدو كثيرة هي الممارسات والاختلاسات، ولكن لا يوجد حكمًا رادعًا فيها لذلك نطالب بالردع ومراعاة الظروف الاقتصادية الطاحنة.. وأوضح أن أي ملف تمت إحالته إلى المحكمة مؤكدًا أنه سيتم الفصل فيه، مبينًا أن الإشكالية في أن كل سنة يقدم المراجع العام في خطابه أن هنالك فسادًا وعجزًا في الميزانية وكل الجهات تقوم بتشكيل لجان لتحقق في الأمر، وفي نفس الوقت لا توجد جرائم وفي النهاية تكون هنالك تسوية.. وأضاف: يجب أن ترى العدالة رأي العين، وأشار إلى أن الحديث في المجال كثر دون تنفيذ.. وقال الجرائد تكتب وخبراء الاقتصاد يحللوا وفي الواقع دون الوصول إلى نتائج واضحة، وأضاف: أن المثل الذي يقول (المال تلتو ولا كتلتو) فهذا ليس مفهوم دولة ترى الشفافية في قضاياه، وأبان أن الشعب يتساءل عن أي بلاغ يذهب إلى المحكمة مؤكدًا أنه يتم توجيه اتهام، ولكنه أرجع بالقول إن السؤال يبقى لا يوجد أحدًا حكم عليه، بينما يرى الخبير الاقتصادي د. محمد الجاك أن قضايا الفساد والمال العام كثر الحديث عنها وقال إن التصريحات عنها تعتبر استهلاكًا سياسيًا ووصفها بأنها إعلانات، وأضاف أن التوجيهات بشأنها لا تجد حيزًا من التنفيذ بالرغم من أن هنالك هيئات كوّنت لذلك ولكنها تعتبر زيادة وظائف انعكست في زيادة الإنفاق الحكومي الذي تسعى الدولة إلى تخفيضه.