منذ برهة غير وجيزة.. أصبحت أحس إحساساً عميقاً بأن السودان بلد بائس.. ومسكين.. ومغلوب على أمره وليس أدل على ذلك من أنك لو نقبت وفتشت وقلبت السودان كله أقصد السودان الجديد .. سودان الإسلام الجديد وليس سودان جون قرنق الجديد.. باطناً وظاهراً تبحث عن مواطن سوداني واحد متطرف.. فللأسف الشديد.. فأنت ستبوء بحسرة وتعود خالي الوفاض وليس معك متطرف.. ولا شبه متطرف.. ولا مشروع متطرف. والدليل على عدم وجود تطرف أي نوع من أنواع التطرف في السودان.. تطرف صادق أو تطرف كاذب.. الدليل هو وجود قناة النيل الأزرق حتى ليلة البارحة في السودان بكامل إسفافها وآثامها وسخفها لقد اوشكت البارحة أن أكون ذلك السوداني الوحيد المتطرف.. والذي شجعني على التفكير في أن أكون متطرفاً استثنائياً قول العقاد إن الاستثناء يثبت القاعدة ولا ينفيها.. يعني لو تطرفت أنا وحدي فإن ذلك لا ينفي أن السودان بلد مسكين وبائس وخال من التطرف لأن تطرف شخص واحد.. هو استثناء أما القاعدة فتظل كما هي وكما قالوا لكل قاعدة شواذ أتدرون ما الذي دفعني إلى حافة التطرف؟! لقد جلست في بص الوالي.. وهكذا يلقبونه ولمدة لا تقل عن ساعة كاملة والشاشة أمامي ومكبرات الصوت من فوقي وعن يميني وعن شمالي وقناة النيل الأزرق تمج أقبح ما في جوفها من الإسفاف ومن السقوط.. ومن التردي.. والنيل الأزرق أدمنت السقوط وأدمنت التردي وأدمنت الإسفاف.. أليس من الإسفاف والسقوط والتردي أن تعرض القناة «إياها» في برنامج يخلو من الصحة والعافية صدرًا عاريًا لامرأة لمدة قد لا تقل عن عشرين دقيقة؟ والذي عرضته القناة شين وقبح يأباه حتى الطبع الكافر الكز الكنود. ومع ذلك فقد ظللت اتلظى وانا أستمع قهراً لأغانٍ وموسيقا وأصوات نسائية تنضح بالغنج والميوعة والتبذل.. ثم أصوات شبه رجالية لا تقل ميوعة ودلعًا من سابقتها.. وحتى الأموات شاركوا في مهرجان الإثم والفجور الذي قدمه بص «الوالي» ذلك المساء عبر نافذة الشر أو مثلث برمودة قناة النيل الأزرق.. والأنكى والأدهى والأمرّ أن القصة لم تنته عند حد الغناء والموسيقى.. بل انضاف إلى ذلك شيء من الرقص والتمايل والسكسكة الرجالية بل شبه الرجالية لأن الذين يؤدون تلك الحركات من المحال أن يكونوا 100% من أي شيء.. وهنا تحركت الأمارة.. وأخذت تراودني.. وتسول لي وتحسن وتحرض وتستعْدي.. وتقول لي: تحرك يا رجل.. تطرف ولو مرة واحدة في عمرك المديد.. افعل شيئاً.. شيئاً غريباً.. وجديداً.. ومباغتاً لا تدعها تمر.. إنها فرصة.. نفِّس عنك وعن غيرك وأنت تحمل جهازين واحد نوكيا وآخر سامسونغ.. الأول لا يقل عن نصف كيلو جرام والآخر حوالى ربع كيلو جرام. والأول التقيل معطل وبايظ.. فاستخدمه هو أن هؤلاء القوم لا يصيخون لنصح ولا يستمعون لناصح. إن الأنكى من الأنكي والأدهى من الأدهى والأمر من الأمر أن البص ممتلئ حتى شدقيه بالشباب والشيب والنساء وليس فيهم واحد ينتبه إلى هذا الذي يجري!! هب أن المتطرف جاهل.. هل يعقل ألا يكون بين حوالى ستين أو سبعين شخصًا أكثر من متطرف واحد.. لا.. لا .. بل أكثر من مشروع متطرف واحد؟! ورغم كل هذا العرض السخي.. وهذا التحريض.. فإنني لم أكمل مشواري التطرفي.. ولم أستخدم موبايلي النوكيا ن 97.. ولعلي قد بخلت وضننت به.. أو ربما لأن الأمارة الأخرى قد قامت تدفع كيد الأمارة الأولى وتفند حججها وادعاءاتها.. قالت لي: اسمع يا رجل!! هل هذا هو أصل المسألة؟ هل أصل المسألة أن تقذف جهاز التلفاز بالموبايل وينكسر هذا ويحطم هذا وتثور ضجة وجلبة وصياح فمن قائل مجنون.. ومن قائل متطرف وإرهابي.. ومن قائل مخرف.. ومن مطالب بالشرطة ومن مطالب بالعفو.. ومواصلة الرحلة.. أما موضوع التطرف ذاته فلن يلتفت إليه أحد. تعقل واثبت للعالم كله أنك أنت الشخص الوحيد العاقل والمتوازن وغير المتطرف.. وأن سائق البص والمشرف وجميع الركاب وقناة النيل الأزرق هؤلاء كلهم متطرفون.. وأكثر تطرفاً من هؤلاء الدولة التي سمحت بقناة النيل الأزرق .. ورضيت أن تكون بصات الوالي كباريهات ومراقص.. والتطرف الأخير هذا وهو تطرف الإنقاذ هو أخطر أنواع التطرف لأنه يقتل الوسطية في نفوس الناس والوسطية هي التدين.. فالدولة تقتل التدين.. وتقتل الفهم .. والمعرفة.. والعزة.. والهمة وتجعل الإنسان سائمة من السوائم.. يخرج منذ الصباح الباكر يبحث عن الغذاء.. لا يبحث عن شيء سواه ولا يهتم بشيء سواه. إن هذا الذي تفعله الإنقاذ من نبذ الشريعة ونبذ التربية.. ونبذ الأصول.. ونبذ الأحكام الشرعية وعدم الالتفات إليها.. وعدم الاهتمام بالعلم والعلماء.. إن كل هذا الذي تفعله الإنقاذ هو قتل واغتيال للتدين.. وهو عين التطرف.. إن التطرف هو ألا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر.. والوسطية هي إقامة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس» «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر». «يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى». إن الإسلام يأبى التطرف ويرفضه ويمقته ويزدريه ولا يعده سبيلاً إلى الخير ولا إلى الأمن ولا منهجاً تقوم عليه الحياة.. ولا تقوم عليه العقائد.. إن الإنقاذ اليوم بمنهجها في الحكم إنما تجر البلاد إلى التطرف جراً.. إن الإنقاذ تعلم تمام العلم أن الحكم بغير ما أنزل الله تطرُّف.. ودعوة إلى التطرف.. والإنقاذ تعدنا المرة بعد المرة بالعودة إلى الوعي.. وتحكيم العقل وتحكيم الشرع.. وإقراره.. بلا دغمسة وبلا انبطاح.. إن الإنقاذ تعلم تمام العلم أن الخروج على الحاكم المسلم تطرف.. وحمل السلاح في وجهه تطرُّف.. وقد يؤدي بحامله إلى ما هو شر من التطرف.. وهو أن قانون الفعل ورد الفعل يعمل في الطبيعيات فقط.. يعني في المادة الصماء.. «كل فعل له رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه» هذه قاعدة تجريبية معملية.. إلا في الإنسانيات .. في السياسة.. والاجتماع.. وفي غيرها.. فرد الفعل قد يكون أضعاف أضعاف الفعل في القوة .. وفي كل الاتجاهات.. إن الذي تفعله الإنقاذ مع شريعة الرحمن هو أسوأ أنواع التطرف. ربع قرن من الدغمسة والانبطاح.. أليس افتراء على الله؟!