فوزي محمد نور محمد أحمد، ولد فى مدينة شندي النور، تلقى فيها تعليمه الابتدائي، درس المتوسطة والثانوي فى القولد، ثم سافر الى مصر وتخرج في قسم المعامل البيولجية في المعهد الفني الكيماوي، ثم نال درجة ليسانس الحقوق في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، التقته نافذة مهاجر ليحدثنا عن غربته فماذا قال: * هل فكرت في العودة إلى السودان؟ فكرة العودة إلى الوطن لا أظنها تفارق مخيلة أي فرد منا مهما اختلفت أسباب الغربة أو تعددت، وأعتقد أنها تظل مرهونة لذاك السبب، وبما أن الغالب عليها السبب الاقتصادي الا ان قرار العودة مرهون بما تحقق وبما آلت إليه الظروف الاقتصادية في الوطن، والحديث عن العودة يذكرني بقلم صديقنا المشاكس محمد جلال الدين في منتديات القولد، فقد ظل يعزف على هذا الوتر ويشجع عليه، و بذل فيه جهدًا كبيرًا، ووصل به الحد ان طرح موضوع «المشاريع الصغيرة المشتركة» كنوع من الحافز والدافع للعودة وكأساس يمكن الارتكاز عليه، ولكن هيهات، فقد تراصت أقلام «الممانعة» لتسد أمامه الطريق بعد ان رسمت صورة سوداء إطارها «حال الوطن» فما كان منه إلا أن طوَّع يراعه وأسال مداده ليكتب لنا عن «المغتربون.. ما لهم وما عليهم..!!»، ومرة أخرى تداعت الأقلام ولكن بمداد باهت لونه لا طعم له، نعم.. لا خط ولا خطة ولا تخطيط، وإن وُجدت فكلها غير واضحة المعالم، هكذا حال غالبية المغتربين، حالهم حال المثل الإنجليزي القائل «إذا فشلت في التخطيط، فلقد خططت للفشل».. ويمكنني القول إننا أصبحنا في هجرة عنوانها الغربة. * حدثنا عن طبيعة العلاقة بين السودانيين فى المملكة؟ السودانيون وبحمد الله معروفون بترابطهم وتواددهم وتعاطفهم، يتميزون بحميميتهم وتكاتفهم وتعاونهم فيما بينهم، منفتحون على غيرهم، يتغير إيقاع الحياة وتتعقد أدواتها ولكنهم يظلون يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم السمحة، الجمعيات والروابط تلم شملهم، يتداعون عند كل صغيرة وكبيرة، هم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى، ينتقلون إلى بلاد الغربة وحقائبهم مملوءة بذات البساطة والحنين والمودة، وفي المملكة العربية السعودية قلّ أن تجد اهل منطقة ما ليس لهم جمعية أو دار يجتمعون فيها ويتناولون امور دينهم ودنياهم ويتفاكرون ويتشاورن ويساند بعضهم بعضًا، وأكاد أجزم أن نظام الجمعيات لا يوجد إلا عند السودانيين، فالقادم الجديد يجد مأواه ومأكله ومشربه ومن يعينه على إيجاد العمل ليُسهم هو الآخر في هذه الخصيصة الاجتماعية الفريدة * ما هى اهم مشكلات المغتربين؟ للحديث عن المشكلات التي يمكن أن تعترض السودانيين يمكنني أن أبدأ اولاً بأنه ليست هناك جهة تهتم بتطوير وتنمية الكوادر السودانية، وخاصة أن المنافسة في سوق العمل قوية، وكل فرد يحتاج أن يكون مواكباً ومطلعاً على المستجدات وعلى أدوات العمل الجديدة والمستحدثة، فالعالم من حولنا أصبح سريع التطور، والتكنلوجيا اخذت تلعب دورًا رئيساً في الحصول على الوظيفة، ولذلك يلزمنا جهة ذات اختصاص وبيوت خبرة تهتم بالمغترب السوداني لتنمية وتطوير قدراته ولتدفع به قويًا ومواكبًا لسوق العمل. * قراءتك للواقع السياسي والاقتصادي في السودان؟ فيما يخص الواقع السياسي والاقتصادي في السودان وباختصار شديد يمكنني القول انه لا ينكر إلا مكابر أننا في مأزق سياسي وتدهور اقتصادي، وظني انهما متلازمتان «السياسة والاقتصاد» ويمكن لكل واحدة منهما أن تسحب خلفها الأخرى سلبًا أو إيجابًا.. * طيلة فترة غربتك هل هناك مشكلة ظلت تواجه المغترب باستمرار؟ فى رأيي تكمن اهم المشكلات فى الهوة أو الفجوة الكبيرة التي تفصل بين المغترب ومن يمثله في دولة الاغتراب، فالسفارة أو القنصلية بعيدة كل البعد عن مشكلات وهموم المغتربين، والغالبية العظمى يعتبرونها جهة جباية لا حماية، وصلتهم بها لا تتعدى استخراج أو تجديد المستندات وما يتبعها من «تحصيل»، ولعل مرد ذلك لا يعود للسفارة أو القنصلية فقط وإنما يشارك فيه المغترب الذي يجهل ما يمكن ان تقدمه له هذه الجهة، وهنا يمكنني أن أرجع ذلك إلى عدم وجود جهة بعينها تهتم بأمور الجالية بالمملكة العربية السعودية وكذا لا دور واضح لجهاز المغتربين. كذلك اهم ما يؤرق المغترب أن الدولة لا تتذكره وحقوقه إلا عند حاجتها للعملة الصعبة، فالمغترب الذي ظل بقرة حلوبًا لردح من الزمن تكافئه الدولة بدفع أموال طائلة لتعليم أبنائه في الجامعات، وتخصص له الأطراف البعيدة من المدن ليدفع بالعملة الصعبة، وتغير وتلون في قوانينها وقراراتها في شأن السيارة التي يدخل بها، ولقد اتجه الكثيرون في الآونة الأخيرة إلى استثمار اموالهم بشراء الشقق في السعودية والبعض اتجه إلى مصر وهؤلاء غالبية لانه لا مقارنة في السعر، وهذا نتيجة حتمية لسياسات الدولة التي تفتح الأبواب لما «لها» وتسدها بعنف في وجه ما «عليها»، ولعلها لا تعلم أننا أصبحنا في زمن بدأت تتلاشى فيه فكرة الوطن الأم وأن ترنيمة «الغريب عن وطنه مهما طال غيابه مصيره يرجع تاني لي أهله وصحابه» قد خفت بريقها، فالواقع الذي نعيشه الآن يقول: إن مكان عملك ورزقك هو وطنك..