فوزي محمد نور محمد أحمد، ولد فى مدينة شندي النور، تلقى فيها تعليمه الابتدائي، درس المتوسطة والثانوي في القولد، ثم سافر إلى مصر وتخرّج من قسم المعامل البيولجية في المعهد الفني الكيماوي، ثم نال درجة ليسانس الحقوق في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، التقته (نافذة مهاجر) ليحدثنا عن غربته فماذا قال:٭٭ كيف راودتك فكرة الغربة؟ الغربة في ظني عند غالبية السودانيين ليست مجرد فكرة ولكنها ك (المخزون الإستراتيجي) يتم اللجوء إليها لظروف مختلفة ومن عجب أن هذا المخزون يتم تفعيله وقد لا يملك الفرد أدواته ومقوماته حتى لحظة اختمار الفكرة، فلا هو وقتها من أصحاب جوازات السفر ولا هو يملك (في الغالب) ما يشتري به عقد العمل أو (الفيزا/ التأشيرة)، والأداة الأخيرة يتم علاجها كعادة أهل السودان ب (النفرة/ الفزع) وهي قيمة اجتماعية قلَّ ما توجد عند غيرنا من الشعوب إذا لم تكن منعدمة، وفي النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي ولم يكن هناك بد من استخدام (الجوكر)، علمًا بأنني كنت قد تمنعت كثيرًا من قبل وقاومت هذه الفكرة إلى أن حاصرتني أسبابها فوجدتني ذات يوم أحزم حقائبي وبداخها كثير من التناقضات وكم من التنازلات، فليس هناك أكثر من كونك ستفارق وطنك وقد كان. ٭٭ بعد التخرج هل وجدت صعوبة في الحصول على وظيفة؟ إبان دراستي في مصر، وفي إجازة نهاية السنة وقبل العودة إلى السودان كنت عادة ما أزور أحد أقاربي الذين يدرسون في كلية الحقوق بجامعة بيروت العربية في مدينة الإسكندرية، وبدأت أطالع كتب القانون فاستهوتني، وحدثتني نفسي بها، ولذلك فبمجرد عودتي للسودان التحقت بجامعة القاهرة ولم أفكر كثيرًا في مسألة الوظيفة، وكنت لست ميالاً للوظيفة الحكومية، فعملت بعد نيل ليسانس الحقوق وشهادة المعادلة في مهنة المحاماة، مهنة لم تكتمل فصولها بعد أن قطعتها الغربة، ولذلك لا أجد نفسي ممن عانوا في البحث عن وظيفة في السودان. ٭٭ متى انتقلت الى العمل بالمملكة؟ شددت رحالي إلى المملكة العربية السعودية في العام 1997م وكنت كحالة من حالات المخاطب والخبر ( خالي الذهن ) ، الغربة قد جربتها كطالب علمِ ، أما وقد قررت أن أكون طالب رزق في أرض الله الواسعة فذلك ضرب جديد. ٭٭ حدثنا عن طبيعة عملك في المملكة؟ التحقت بالعمل في إحدى الشركات في وظيفة إدارية وما زلت من وقتها في ذات الشركة، وقد أمضيت خمس عشرة من سنوات الغربة، وأذكر عند وصولي إلى أرض الحرمين الشريفين حدثني أصحابي مازحين: (مشكلتك في العشر الأوائل من الغربة) فما استحسنت مزاحهم، والآن أسأل نفسي: متى العشر الأواخر .؟ فكلما نظرنا في مرآة الوطن تبدو الصورة ((مقلوبة) فتطل الغربة برأسها لتقول: هل من مزيد!!؟. ٭٭ كيف تنظر لتأثير الغربة على أسرتك؟ لاشك أن مجرد التفكير في الغربة هو في حد ذاته مؤشر سلبي يتقاسمه الوطن والمواطن وتختلف فيه نسبة المساهمة حسب كل حالة، وفي الغالب الأعم فإن الظروف الاقتصادية المحيطة بالوطن ترفع من نسبة مساهمته مما يدفع بالكثيرين إلى هذا الاتجاه خاصة إذا ما استصحبنا واقعنا الاجتماعي وعنوانه الرئيس «الأسرة الممتدة المترابطة» فكل فرد فيها يعتبر وعاءً وغطاءً اقتصاديًا، ولقد ساهم في تفاقم هذا الوضع الأسري أن مجتمعنا وإلى وقت قريب كان ذكوريًا حتى في اقتصاده، فكان ينظر إلى مداخيل المرأة على أنها لا تتعدى حاجياتها الشخصية ولا يحملها أي مسؤولية تجاه الأسرة وإن قامت بذلك فيحسب من باب التبرع مما أقعد كثيرًا بالفرد والمجتمع. ٭٭ ماذا خصمت منك الغربة؟ لعل من أكبر سلبيات الغربة أنها بدأت في تشكيل مجاميع غير مستقرة اجتماعيًا واقتصاديًا ونفسيًا خاصة إذا ما امتدت إلى سنوات طويلة، فبمجرد وصول الأبناء إلى المرحلة الجامعية تبدأ الأسرة في الانشطار و التشتت بين الوطن الأم ومكان الاغتراب وربما تدخل دولة ثالثة كحاضن للطالب الجامعي مما يربك الأسرة اجتماعيًا ويرهقها اقتصاديًا، ولقد بدت هذه الصورة واضحة عند أعداد كبيرة من الأسر، ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن غالبية هذه الأسر تعمل على توريث الغربة لأبنائها، فما إن ينالوا شهاداتهم الجامعية حتى يجدوا أنفسهم شاءوا أم أبوا امتدادًا لغربة أهليهم. ٭٭ وماذا أضافت لك؟ أضافت لنا إيجابيات كثيرة أظننا لا نختلف في مردودها الاقتصادي على الفرد والأسرة والمجتمع وعلى الدولة من خلال توفير العملة الصعبة، فالهدف الأساسي من الاغتراب هو تحسين الوضع الاقتصادي.. وفي الغربة يتعرّف الفرد على الكثير من الجنسيات الأخرى ويقف على عاداتها وتقاليدها، والحريصون يهتمون بتبادل المعرفة والمنفعة.